بينما كنت مُنسجما مُسرحاً طرفي في صفحات بعض الكتب الحبيبة إلى قلبي في ضحى يوم الثلاثاء 19-10-1439ه إذا برنين هاتف الدكتور اللطيف عبدالرحمن بن سليمان العريني -أبو زياد- مُسَلما ومُعزيا في زميلي الكريم الأستاذ محمد بن صالح العميل -أبو عبدالله- رفيق دربي بالمرحلتين الثانوية في المعهد العلمي بالرياض، وبكلية اللغة العربية حتى نلنا الشهادة العالية بها عام 1378ه، ثم أعقبه ابن الفقيد الأستاذ الفاضل عبدالله معزيا في والده لعلمه بعلو مكانته وقربه من قلبي، وهو يُدافع عبراته ودمعات عينيه حُزناً ولوعة على رحيل والده، وغيابه عن نواظرهم..-كان الله في عونه وعون أسرته ومحبيه- وقد كان لذاك النبأ المحزن نبأ رحيل زميلي الغالي الذي صدع قلبي وآلمه، الذي قضيت معه ومع رفاق دربي أحلى أيامي وربيع عمري..، -رحمه الله رحمة واسعة-. وقد تزامن طلوع روحه الطاهرة إلى بارئها قُبيل خروج الشمس من خدرها لتواصل رحلتها اليومية مشرقةً على آفاق الدنيا، ونواحيها المتباعدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها -تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته- ولقد ولد في بلده بلد آبائه وأجداده مدينة الرس، إحدى كبريات بلدان منطقة القصيم، ثم بدأ تعليمه في الكّتاب لتعلم الكتابة، وتلاوة القرآن الكريم وحفظ ما تيسر منه، بعد ذلك درس بالمرحلة الابتدائية حتى نال الشهادة بها بتفوق، وكان محبوبا لدى معلميه وزملائه، لما يتمتع به من هدوء الطبع، وسلامة الصدر والخلق الكريم، ثم انتقل إلى مدينة الرياض فالتحق بالمعهد العلمي عام 1371ه، واستمر به مواصلا نشاطه حتى حصل على الشهادة الثانوية عام 1374ه مواصلا الدراسة بكلية اللغة العربية حتى نِلنا الشهادة العالية معاً عام 1378ه، وقبل تخرجه انتدب للتدريس بمعهد شقراء فترة من الزمن، وهو لا يزال طالباً.. لحاجة المعهد إلى معلمين أكفاء، وكان أثناء الدراسة ينافس الزميل عبدالله بن عبدالكريم المفلح على الصدارة في فصلنا، فيحوز على قصب السبق -رحمهما الله- وجميع من رحل من زملائنا، فأجواء الدراسة في تلك الحقب أجواء جد وتنافس: وقال الآخر مُوئيساً لمن طلب العلا من غير كدّ: وكان ثبت الجنان حينما يقف مُتحدثاً مُترسِلاً في حصة الإنشاء نابذا رداء الخجل بعيداً، فهذه هبة جميلة يهبها المولى لمن يشاء من عباده، وعلامة نجاح لكل فرد في قابل أيامه العملية والأدبية حينما يعلو المنابر..، وفي المحافل الدولية متحدثاً... وبعد تخرّج -أبو عبدالله- تسنم مناصب هامة حيث عين مديراً عاماً للتعليم بمنطقة الرياض، فأخذ يُسيّر العمل بكل نشاط وإخلاص، حاثاً مديري المدارس أثناء جولاته ومروره على مواقعهم لمضاعفة جهودهم، واهتمامهم بتوجيه النشء توجيهاً أبوياً صالحاً لكي يكونوا لبِنات صالحة لبناء مجتمع ينشد الرفعة والتقدم..، وليكونوا قدوة حسنة للأجيال الصاعدة..، وبعد تلك الفترة الزمنية صدر قرار تعيينه وكيلاً لوزارة المالية والاقتصاد الوطني مع إسناد أملاك الدولة إلية بنفس الوزارة..، للثقة التامة ولعلو مكانته وكفاءته وأمانته، فهو على جانب كبير من التواضع والأدب الجم الرفيع، والدراية بما يوكل إليه من أعمال وأشياء ذات أهمية ..، ولقد طُبع على الكرم وحب التواصل مع زملائه وأحبته منذ أن كان طالباً، فكان يدعونا أثناء دراستنا إلى منزله الواقع شرقي (دروازتي القري والثميري) بحي البطحاء بالرياض أنا وعدد من الزملاء، فيبالغ في إكرامنا رغم قلة المادة -آنذاك- وهذه من الصفات الحميدة التي يتحلى بها الكثير من ذاك الجيل في التآلف وتبادل الزيارات، فأبو عبدالله محبوب لدى الجميع كله لطف وكرم: فاستمر التواصل معه وزيارته في منزله الذي يُعدُّ من الصوالين الأدبية ملتقى زملائه ومحبيه.. حتى قُبيل وفاته..، وتبادل إهداء الكتب الأدبية، فيُهدي إلينا بسخاء من مؤلفه النفيس «من طرائف الحكمة» فنهدي الأخيار من ذلك السّفر المفيد..، الذي يضُمّ بين دفّتيه الحِكم والأمثال الهادفة الجميلة.. ولئن توارى عن نواظرنا ونأى عن أحبته، فإن ذكره الجميل باقٍ بين جوانحي مدى عمري -تغمده المولى بواسع رحمته- وألهم إخوته وابنه عبدالله وبناته وأقرباءه، وحرمه وعموم أسرة العميل، ومحبيه الصبر والسلوان. ** **