بحثنا في ديننا الإسلامي الحنيف على رعاية كبار السن وإكرامهم، ومساعدتهم، وتكون أوجب تجاه الوالدين وهو ما تفرضه قيم الإسلام وتعاليمه. ورعاية المسنين في الإسلام عبادة وعمل نبيل، وإن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وذلك لعظم منزلتهم في الإسلام، وتقديرهم وحفظ حقوقهم والتحذير من التقصير في حقهم. وتتفاوت الرعاية والعناية بين البشر تجاه كبار السن، وبالذات ممن لايستطيع القيام بواجبهم لقلة ذات اليد مما يتوجب تقديم العون المادي، والمساعدة والمساندة في الرعاية الاجتماعية والطبية، وأن يكون هناك دور واضح وجلي من قبل الأفراد ومؤسسات المجتمع، وألا تكون المشاركة وقتية كما هو حاصل في الأيام المخصصة برعاية المسنين. «الجزيرة» طرحت القضية على عدد من المهتمين في هذا الشأن.. وكانت رؤاهم على النحو التالي: رعاية طبية ونفسية بداية بين الدكتور/ عبد الرحمن بن سعيد الحازمي -عميد الأكاديمية العالمية للدراسات والتدريب في رابطة العالم الإسلامي رعاية المسنين - أن يمر الإنسان عبر سنين حياته بمراحل عمرية مختلفة ويتقدم به السن شيئا فشيئا حتى سن الشيخوخة التي هي من أصعب وأخطر مراحل العمر لكونها مظنة المرض والعجز وقد يصل إلى مرحلة أرذل العمر، قال تعالى: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعمل من بعد علم شيئا}. والإسلام بكمال تشريعاته وسمو آدابه كرّم الإنسان وحفظ حقوقه في مرحلة الكبر والعجز، فأولاه مزيد اهتمام وعناية فأوصى الأولاد برعاية الوالدين، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . ولقد اعتنت وزارة الشؤون الاجتماعية في بلادنا الغالية بإنشاء دور رعاية المسنين ووفرت لهم جوانب الرعاية المختلفة، ومن خلال التأمل في الوضع الاجتماعي تلحظ أن هناك أعدادا كبيرة من المسنين في المنازل، ومن يتمتع بوضع مادي ممتاز يستطيع رعايتهم والاهتمام بهم، ولكن هناك شريحة من متوسطي أو ضعيفي الدخل لا يستطيعون رعاية المسنين لديهم من آباء وأمهات لحاجتهم إلى رعاية طبية ونفسية وتأمين أدوية وملابس وغيرها، لذلك أقترح إنشاء جمعيات خيرية لرعاية المسنين يقوم بها رجال الأعمال وأهل الخير وهم كثر في بلادنا الحبيبة تقوم بالاهتمام بالمسنين ورعايتهم رعاية شاملة حتى لو تطلب الأمر برسوم محددة تتناسب وإمكانيات الأسر المتوسطة والضعيفة، وحبذا أن تعتني هذا الجمعيات بالاستفادة من تجارب وخبرات الدول المتقدمة في رعاية المسنين، والاهتمام بإعداد برامج متقدمة لرعايتهم. مراعاة المتغيرات ويؤكد الدكتور/ حسين محمد الحكمي - أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك سعود -الاهتمام بالإنسان ورعايته وتلبية احتياجاته من الأمور التي عمل عليها الإنسان منذ القدم وفي مختلف الحضارات والثقافات، كانت في البداية نوعا من المساعدات التطوعية الفردية الموجهة للمحتاجين فقط ثم تطورت فأصبحت الدولة هي المسؤول عنها وأصبحت تشكل كافة فئات المجتمع ثم بعد ذلك أصبح للقطاع الأهلي والقطاع الثالث الخيري دور في تقديم المساعدات وخدمات الرعاية الاجتماعية لكافة فئات المجتمع بكافة أطيافه. تعد فئة كبار السن من تلك الفئات التي تقدم لها خدمات وبرامج الرعاية الاجتماعية. هناك احتياجات تقدم لكبار السن من قبل أهلهم وذويهم مثل رعايتهم والاهتمام بهم ومجالستهم والعناية بهم بكافة أشكالها، وبنفس الوقت هناك خدمات وبرامج رعاية تقدم لهم بشكل مؤسساتي منظم مثل الخدمات الصحية والتأهيلية والترفيهية والثقافية. تختلف هذه الخدمات والبرامج باختلاف حالة كبير السن ونوع الاحتياج الذي لديه، هذه الخدمات والبرامج لم تعد اجتهادات وتطوعية أو اختيارية كما في بداياتها بل أصبحت حقا من حقوق كبير تعمل الحكومات على توفيرها وتطويرها وتحسينها وأن تصل للجميع. ويستطرد الدكتور الحكمي قائلاً: المرحلة العمرية والتغيرات الجسدية والذهنية والنفسية التي تكون لكبير السن توجب علينا أن نراعيها، فالتغيرات الجسدية والعضلية والعصبية وضعفها وربما وهنها عند البعض تستوجب مراعاتها وتوفير الرعاية الصحية المناسبة لها في المراكز الصحية وأن تشمل الخدمات الوقائية والعلاجية، كما أن الجانب النفسي مهم ويجب أن تتم مراعاته فكبير السن له الحق في أن يزوره أبناؤه وأقاربه وأصدقاؤه والجلوس معه والسماع منه وهذا كواجب وحق له، كما أن التغيرات الاجتماعية التي تحصل عندما يكبر الشخص من تفرق أبنائه بسبب العمل أو الزواج أو ربما يفقدهم فإن ذلك يؤثر عليه وهنا على أفراد الأسرة أن تراعي ذلك وتكون أكثر قربا من كبير السن، هذا بالتوازي مع ما تقدمه القطاعات الحكومية والأهلية لسد الفجوة ولمعالجة مثل هذه التحديات فيتم تقديم برامج وخدمات وأنشطة اجتماعية وترفيهية تربط كبير السن بالمجتمع وأفراده. وكل ما يقدم من برامج حاليا سيتغير مستقبلا بسبب التغيرات الثقافية والحضارية والتقنية، وما يحتاجه جيل كبار السن اليوم سيتغير مستقبلا فجيل كبار السن مستقبلا تختلف احتياجاتهم إلى حد ما عما يحتاجه كبير السن اليوم، كما أن الإمكانات والخدمات ستختلف نوعيا مع التطور التقني والذكاء الصناعي والبيانات الضخمة التي ستتوفر وتتم معالجتها بما يخدم كبار السن ورعايتهم بالشكل المناسب. مسؤولية الفرد والمجتمع وبدأت الدكتورة/ عواطف عبدالعزيز الظفر -قسم المناهج وطرق التدريس في جامعة الملك فيصل - حديثها بقوله تعالى: وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) سورة النحل، ودورنا كأفراد بالاهتمام بالمسنين الذين هم كبار السن يكمن في: الرعاية الصحية الكاملة، والرعاية النفسية، والتكافل الاجتماعي، والاحترام والتقدير، وتوفير جو اجتماعي، وتعويض الجو العائلي، وإشعارهم بأهميتهم في المجتمع والاستفادة من خبراتهم. أما دور المجتمع فيكمن في توفير المؤسسات التي تُعنى بكبار السن واشغال أوقاتهم بما ينفعهم من دورات ومحاضرات تثقيفية لإبراز دورهم في المجتمع وأهميته وتفعيل دورهم في المجتمع من الناحية المادية والمعنوية. قال الله تعالى وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) سورة الإسراء. الصبر والحلم وتبين الأستاذة مرفت محمود طيب -الناشطة الاجتماعية - أن التعامل مع كبار السن يتطلب المزيد من الصبر والحلم، والحكمة في الوقت ذاته، وهم أيضاً يحتاجون إلى الرعاية الجسدية والنفسية على حدٍ سواء، وهناك مسؤولية عامّة من قبل المجتمع بمؤسساته، وأخرى فردية لرعايتهم والاهتمام بهم. فالفردية تتعلق بما يتعيّن على كل فرد قريب نحو كبير السن الذي يتولى أمره ورعايته القيام بها، وتتمثل في حسن معاملته وخدمته والقيام بأمره، واستيعاب تصرفاته الفعلية أو القولية، وإن خالفت أحياناً المنطق الفعلي والتفكير السليم، وأمّا المسؤوليّة العامة فتتمثل في ما تقوم به المؤسسات المختصة من أنشطة تتعلق بكبار السن، وتشمل أنشطة ترفيهيّة، وثقافية، واجتماعيّة، ورياضيّة أحياناً، أو القيام برحلات دينية وسياحية، وممارسة الأعمال اليدوية والفنية لشغل أوقات الفراغ بتلك الأنشطة والتي تخفف من الشعور بالعزلة التي يشعر بها، وتدمجه مع المجتمع بشكل إيجابي، وهناك نوع مساعدة اقتصادية تتبناها بعض الدول، تتمثل في توفير راتب تحت مسمى الشيخوخة له، كما ينبغي توفير الرّعاية الصحية الكاملة للمُسنّين، وتأمين أماكن مناسبة ولائقة وآمنة للمُسن؛ كالمأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، ومُساعدته في التغلُّب على المشكلات التي تواجهه، ووقايته من الأمراض الناتجة عن الشيخوخة وذلك بالاستعانة بوزارة الصحّة والتعاون معها. وهذا في الواقع أقل ما يمكن تقديمه له، فرعايتنا لكبار السن هي رعاية بأنفسنا وذواتنا، فكلنا معرضون لدخول هذه المرحلة، ولا أحد يعرف كم سيبلغ من العمر، ولا الوضع الذي سيؤول إليه في كبره، هذا من جانب، ومن جانب آخر فهي واجب أخلاقي وإنساني، وهومن البر لمن كان له دور مهم في حياتنا، ورعايتنا وتربيتنا، وتبقى العناية بكبير السن واجباً دينياً، ومصلحة وطنية، وضرورة إنسانيّة، وكلها حلقات تتشابك وتتكامل، وعنوانها الوحيد كبير السن، فحقه أن يجد الرعاية الكاملة والمناسبة التي تليق به. رعاية كبار السن وترى الأستاذة عائشة بنت عطاالله الأيداء - المعلمة في المدينةالمنورة - أن المسئولية تشمل المجتمع بكل طبقاته تجاه كبار السن رجالاً ونساء فهناك من ليس له ذرية أو أحد يعوله ويهتم به لأسباب كثيرة ليست عقوقاً على الأغلب بل قد يكون أحدها ضيق ذات اليد أو شدة مرض كبير السن مما يتطلب عناية طبية خاصة لاتتوفر في المنزل ومنهم من يعاني أمراض أخرى متنوعة تؤثر على سلامة عقله مما يصّعب التعامل معه ولابد من مختص، وغير ذلك من الأسباب. ومن فضل الله أن الدولة أعزها الله اهتمت بهم ووفرت لهم دورا للرعاية وجمعيات في كل مناطق المملكة، ولكن برأيي الشخصي أدعو إلى مبادرات فردية ومجتمعية لمن يستطيع مد يد العون لإنشاء مراكز متخصصة (كوقف) يتوفر فيها المسكن والحياة الكريمة والمال والدواء والترفيه والبيئة المناسبة للتخفيف عما يعانونه من ألم أو حزن أو تخلّي أو عقوق ويُراعَى فيها التالي على سبيل التذكير وليس الحصر: التعامل الإنساني بكل ما يحويه من معاني، والمهنية والاحترافية عند التعامل معهم وإدارة وتقديم الخدمات اللازمة لهم، والاستفادة ممن لديهم خبرات سابقة ومهارات حين كانوا يَشْغَلون وظائف أو أعمال وتقاعدوا عنها لأي سبب، وتقديم أنشطة متنوعة داخل وخارج المراكز مما يُسهم في مساعدتهم معنوياً ويخفف الألم والحزن عنهم ويرد لهم اعتبارهم وبيان أهميتهم لنا جميعاً وتقديرنا لهم، وعمل دورات متخصصة للراغبين في التطوع للاهتمام بهم ومجالستهم ورعايتهم أوقات محدودة حسب فراغهم من شبابنا من كلا الجنسين ولا يخفى على أحد النتائج الإيجابية التي تعيد للمجتمع صور التكافل الحقيقية وتُوثِّق أواصر العلاقات الإنسانية بين أفراده. ولا ننسى أنه يوماً ما قد نكون بحاجة لمن يرعانا ويهتم بِنَا فقد نكون أحد كبار السن الذين يحتاجون حتى ولو لابتسامة تزيل عنهم تراكمات ماعانوه طيلة سنون حياتهم لذلك لنعط بوفرة وحب ورغبة في الخير والأجر من الله تعالى فالعطاء نعمة لا تقدر بثمن. وأسأله سبحانه أن ينعم علينا بالعفو والعافية وألا يحرمنا وإياكم الأجر في الدارين.