المافيا الرأسمالية تتعامل بالنذالة المعهودة لإجهاض أي حراك جماعي أو فردي ضدها، وأول خطوة تتبعها هي العصا والجزرة. الجزرة أصبحت أكثر وضوحاً على تلوّنها، فهي لا تتعدّى الرشوة والفساد المالي والإداري وصدقات صندوق النقد الدولي لتدمير الأفراد والشعوب والعالم كله في نهاية المطاف! .. أما من لديه الحد الأدنى من المبدئية الأخلاقية، سواءً كان رئيساً لدولة أو زعيماً لمنظمة أو ذا منصب ما، أو حتى مجموعة من الناس متآلفين في دولة أو منظمة أو نقابة أو جمعية أو ناد أدبي أو ما شابه ويرفض «التعاون» مع المافيا الرأسمالية، فيصنفونه «بالفَلْتان»، لأنه فَلَتَ من غسيل المخ وغسيل «الأخلاق» وغسيل المروءة والوطنية والغيرة على وطنه وشرفه ...الخ. أما العصا فهي أنواع متعددة تتراوح من خفيفة الغلظة إلى أشد ما يمكن من الغلظة! أي الاغتيال! .. ولكن الاغتيال على مبدأ (ولا من شاف ولا من دري!)، يحتاج إلى مجهود استخباري دقيق. وكذلك أموال لشراء قاتل محترف! ثم أموال لشراء قاتل آخر ليقتل القاتل الأول ويخفي الجريمة! ولا بأس من إنفاق أموال لسلسلة من القتلة المحترفين .. كل منهم يقبض الثمن ولا يعلم لماذا يقتل؟ .. ثم تكون الرصاصة الأخيرة في رأس الشرطي «الفلتان» الذي يحقق في القضية بجدية على مبدأ (الشرطة في حماية الشعب والشهود). المافيا تختار عادةً الأسلوب الأقل تكلفة، وبالتالي لا تلجأ للتصفية الجسدية إلا إذا لم تجد غير ذلك سبيلا. فهي تلجأ للأساليب الأقل تكلفة مثل الاغتيال الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو غير ذلك! فإذا كنت موظفاً في وزارة أو شركة أو بنك أو مصنع ...الخ، وتصنف من «الفلتانين الخائبين» الذين لا يقبلون المشاركة في الفساد على مبدأ (امسك لي وأقطع لك)، تتكون حولك فجأة عصابة من رؤسائك ومرؤوسيك ليحجبوا عنك المعلومة الوظيفية الصحيحة، ويدفعونك دفعاً نحو الخطأ لتجد نفسك مفصولاً إدارياً بكامل «المشروعية»، ولن يشفع لك تاريخك «النظيف» أو يدك البيضاء ولا حتى «الواسطة» القوية. «الفلتان» يجد نفسه مفصولاً قبل استحقاق التقاعد ببضعة أشهر من مصدر رزقه، حتى يبقى رهينة لذات العصابة التي فصلته! أما إذا «فلت» المغدور من المصيدة واشترى بجزء من حلاله «البضع أشهر» ليكون لديه راتب تقاعدي يجعله مستقلاً عن إحسان المافيا، تتشكل حوله عصابة من طراز جديد! حيث تتوالى عليه عروض من «محتالين»، تبشره بأرباح خيالية إذا «شاركهم» في «بزنس» من أجل «نهب» كل ما تبقى له ويستسلم لرحمة «المافيا» ويترك «فَلَتانِهِ الأهوج». إذا لم تفلح المافيا في تحقيق الاغتيال الاقتصادي تلجأ إلى تشويه السمعة من أجل الاغتيال السياسي أو الاجتماعي، أي تقويض مكانته في الوعي الجماهيري لكي تضمن شلل تأثيره على الجماهير الشعبية الرازحة تحت الظلم. ولهذا الهدف تستخدم المافيا طيفاً واسعاً من الاتهامات، كالطائفية والمذهبية والانتهازية والإلحاد وغيرها، وتجد من يساعدها ممن يظنون أنهم وطنيون! ولكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوّة: هل يمكن أن يحدث العكس؟ أي أن من باع نفسه لقوى الاستعمار والاستبداد والظلم، هل يمكن اغتياله في وعي الجماهير الشعبية؟ وخاصة إذا كان صحفياً صنع لنفسه مكانة مرموقة في أوساط المظلومين؟ ... الجواب نعم .. فاغتيال مكانة هؤلاء أسهل بكثير من التصفية الجسدية! .. وأقصد هنا «الفضيحة»! وهي تتم بطريقتين: إما أن يرتقي الوعي الجماهيري ذاته ويكشف رياء هؤلاء، أو تنضج الظروف الموضوعية ويكشف من مثل هؤلاء نفسه بنفسه، ويتفوه بما يشبه الكلام «فاضحاً انتماءه» الذي يخدم المستعمر. وقد يتم تحقيق الطريقتين معاً أيضاً. الجدير بالتمعن أن مثل هؤلاء لا يستطيعون إدراك أنهم يغتالون أنفسهم بأنفسهم، ويبقون مغردين أو «نابحين» في بيداء ليست ذات زرع. ** **