يدرك رجال العصابات الايطاليون تمام الإدراك أن الإفلات من العدالة لا يحتاج إلى محام "شاطر" بل إلى طبيب عديم الضمير. ويوضح كتاب وضعه الكاتب الايطالي كورادو دي روزا كيف تمكن أشهر زعماء العصابات الايطاليين من تزييف كل شيء من الأمراض العقلية إلى العمى بمساعدة أطباء مرتشين.. ويعمل أطباء العصابات على تدريب عملائهم على محاكاة الإصابة بالمرض بل وقد يصفون لهم أدوية لإحداث الأعراض المرضية الحقيقية لديهم. ويكشف الكتاب عن قيام الأطباء بتزويد الزعماء السجناء بكابحات شهية لمساعدتهم على إقناع القضاة بأنهم مصابون بالاكتئاب أو حتى بفقدان الشهية المرضي. وبهذه الطريقة كان يتم السماح لزعيم عصابة من نابولي يدعى ايتور روسو بالخروج من السجن لتلقي علاج خاص من الاكتئاب. واستغل الرجل الحراسة المخففة ليزوغ بين جلسات العلاج ويقتل واحدا من خصومه في كل مرة. ولعل الحالة الأكثر إثارة للصدمة تلك التي تتعلق بالرجل الشديد القسوة جوزيف سيتولا زعيم عصابة كامورا الذي زيف له الأطباء تشخيصا بالإصابة بالعمى، وتمكن أثناء زيارته لمستشفى للعيون في مدينة بافيا من الهرب إلى كامبانيا ليقود عملية اغتيال راح ضحيتها 18 شخصا، من بينم عابري سبيل علقوا في تبادل للنيران.وكان الطبيب الذي شخص حالة سيتولا قد أفاد بأنه أشبه ما يكون بالأعمى نتيجة إصابته بالتنكس البقعي الذي يسبب العمى. وكتب القاضي رافائيلي كانتوني، الذي يعد ألد أعداء المافيا، في مقدمة كتاب دي روزا الذي صدر بعنوان" أطباء الكامورا" قائلا،" توضح هذه القصص أن الأطباء النفسانيين الفاسدين يتلقون رشى من زعماء المافيا للتشكيك حتى في السلامة العقلية للمخبرين. فرانسيسكو شيافوني تلقى حكما بالسجن مدى الحياة ولا تأتي شهادات الأطباء المأجورين برخص التراب، حيث يدفع الزعماء مابين 2000 إلى 50 ألف يورو مقابل خدمات الطبيب النفسي. ويقول ديسوتا إن هذه المبالغ لا تساوي شيئا لدى الزعماء، ويضيف" تتمثل المشكلة في أن أمام الطبيب النفسي خيارين: إما قول الحقيقة في شهادته لصالح الدولة مقابل 100 يورو أو الكذب لصالح العصابة مقابل 50 ألف يورو. ويعجز العديد من الأطباء الفاسدين عن مقاومة إغراء أموال العصابات." ويكشف غيتانو غيدا، وهو زعيم عصابة تحول إلى مخبر، عن كيف يعمل طبيبه على تقويض أركان العدالة قائلا،"إذا كان التقرير الطبي قد اعد بناء على أمر يصدره القاضي إلى طبيب محدد، يطلب مني طبيبي أن أتصرف كمريض مصاب باضطراب عقلي ثم يتوصل إلى الطبيب الذي اعد التقرير ويقنعه بأن يؤكد على التشخيص الزائف الذي أعده طبيبي." ولكن ليس كل محاولات إلغاء الحكم أو تخفيفه باستخدام التقارير الطبية الزائفة يكون حليفها النجاح. فقد تلقى فرانسيسكو شيافوني زعيم عصابة نابولي السيئ السمعة حكما بالسجن مدى الحياة في عام 2008 بعد محاكمة استمرت سنوات شهد فيها أطباء نفسانيون مأجورون بان الاكتئاب السريري وفقدان الشهية المرضي هما وراء دافع شيافوني إلى ارتكاب جرائمه. وخلال الفترة بين الحكم الابتدائي وآخر استئناف غير ناجح للحكم ، لقي خمسة أشخاص على صلة بالقضية حتفهم، من بينهم مترجم. وواجه بعض الشهود الخبراء المأجورين أنفسهم نهاية مأساوية. ومن هؤلاء الخبير في علم الجريمة والطبيب النفسي المأجور ألدو سيميراري الذي تم شج رأسه على سبيل الانتقام إلى شطرين بساطور لحم في ابريل عام 1981على يد امبيرتو اماتورو زعيم عصابة كامورا بعد أن أدى سيميراري يمينا كاذبة لصالح عصابة منافسة.