عشنا في الأيام القريبة الماضية عرساً ثقافيا استثنائيا، حيث أُسدل الستار مساء السبت الماضي على معرض الرياض الدولي للكتاب 2018م الذي تحتضنه عاصمتنا الحبيبة كل عام، في أجواء ثقافية ومعرفية ممتعة، تجد صداها والفرحة بها في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ومن كل أطياف المجتمع وفئاته السنية، حيث يحتفل الجميع بهذه المناسبة الاستثنائية التي تحظى برعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وكم نتمنى دائما من وزارة الثقافة والإعلام أن تكون عنايتها بهذه المناسبة على مستوى أهمية راعيها، وألا تدخر أي جهد في إظهارها بالصورة المأمولة. ولعلي في هذه المساحة الصغيرة القصيرة أدوِّن عدداً من الملحوظات السريعة حول هذه المناسبة المتميزة، يمثل بعضها إشادات وانتقادات للمعرض الحالي، ويمثل الآخر رؤى مستقبلية أتمنى من الوزارة أن تنظر إليها بعين الاعتبار: 1 - لا يمكن لأحد أن ينكر الجهد الكبير الذي تقوم به وزارة الثقافة والإعلام في إبراز هذه المناسبة الثقافية بأجمل حلة على كافة الأصعدة، فشكرا لها ولجميع المسؤولين والعاملين فيها، والشكر موصول لجميع مؤسسات الدولة التي أسهمت في جمال هذا العرس المعرفي الرائع وخدمة مرتاديه. 2 - لم يكن الإقبال على المعرض هذه السنة بالمستوى المأمول، الذي تعودنا عليه في السنوات الماضية، أو هكذا يُخيَّل إلي، زرته 3 مرات فلم أجد تلك الأعداد الهائلة التي كنتُ أراها كل عام، عدا اليوم الأخير الذي كان أكثرها ازدحاما كالعادة. 3- لا تزال إشكالية التلاعب بالأسعار وارتفاع قيمة الكتب إلى حد غير منطقي قائمةً متكررةً كل عام، ولا أدري متى سيتم معالجة هذه المشكلة بقوة وحزم وجدِّية، فقد رأيتُ معظم الدور المشاركة تبالغ في الأسعار دون حسيب أو رقيب، بل رأيتُ كتاباً اشتريته من مصر ب10 جنيهات يعرضه صاحب الدار هنا في الرياض ب80 ريالا! 4 - وإشكالية أخرى تتمثل في قلة مواقف السيارات وعدم تنظيم حركة السير في الشوارع القريبة من المعرض، وتعمد المرور إغلاق بعض الطرق مما يؤدي إلى ازدحامٍ شديدٍ وانتظارٍ لساعات! 5 - أتمنى من أمانة منطقة الرياض أن تهتم بالمنطقة المجاورة لمعرض الكتاب، وذلك بتزيينها والعناية بها من جميع الجهات، وأقترح وضع تمثال لكتاب أو نحوه يكون قريبا من موقع المعرض، يرمز إلى هذه المناسبة الثقافية التي تحتضنها رياضنا الحبيبة كل عام. 6 - لا زلتُ أردد وأؤكد على قلة أيام المعرض، فعشرة أيام غير كافية أبدا للارتواء من هذه الاحتفالية الثقافية السنوية، خاصة أن الجهود المبذولة في إقامة المعرض كبيرة، والأعداد التي تقبل عليه كثيرة، فلعل الوزارة تمدِّد أيامه لتكون 3 أسابيع كما مدَّدت وزارة الحرس الوطني أيام الجنادرية هذا العام. 7 - امتازت بعض الدور هذا العام بجمال العرض، وخرجت عن النمط التقليدي الذي تظهر به عادة، وهذا منح جمالاً إضافياً للمعرض تعاضد مع جمال حضوره ومضمونه. 8 - أتمنى من وزارة الثقافة والإعلام أن تلزم الدور المشاركة بإصدار قائمة بما عندها من كتب، ومن ثم تقوم الوزارة بتوفيرها للمواطنين بصورة واسعة قبل بداية المعرض بوقت كاف، حتى يمكن للزائر اختيار ما يناسبه من كتب، فتوفر عليه الجهد والوقت. 9 - لا تزال إشكالية استسهال الطباعة والتجرؤ على النشر حاضرة في كل عام، بل يزداد فارغو الفكر جرأة في كل مرة على إصدار تفاهاتهم، ولست ألومهم، كما لا ألوم بعض أفراد المجتمع من أصحاب الثقافات الضعيفة بل والمنعدمة الذين يسهل خداعهم بعناوين براقة ومؤلفين مشاهير، ولست ألوم أيضا أصحاب الدور الذين يلهثون وراء الكسب المادي بأي شكل كان، بل ألوم بعض المثقفين الذي ظهروا في الآونة الأخيرة يسوغون هذه الممارسات، بدعوى فتح المجال ومنح الفرص للشباب للإبداع، وكأن ما يُقدِّمه بعض أولئك يمكن أن يُسمَّى إبداعا، ولعل سبب هذه الدعوات يرجع إلى إما انخفاض مستوى الذوق لديهم من خلال انتشار مثل هذه الأعمال الرديئة، أو -وهو الأقرب- لمحاولة كسب تعاطف المجتمع، والظهور بمظهر الانفتاح على كل التوجهات والأفكار مهما بلغ سخفها، دون وعي تام بما يؤدي إليه تلميع هؤلاء واتخاذهم قدوات من إشكاليات على جيلنا القادم. 10 - قلتُ في تغريدة قبل أيام: قبل أن تطأ قدماك معرض الكتاب ينبغي عليك أن تستقل فكريا، وأن ترمي وراء ظهرك كل ما سمعته من دعايات لكتب وكتَّاب، اشترِ ما يعجبك ويناسب ذوقك وتتوقع أنه يستحقك، واعلم أن أذواق الناس وثقافتهم ومستوى إدراكهم متفاوت، كن قويا بشخصيتك الفكرية، متحررا من كل سلطة. 11 - قلتُ أيضا: لا يغرنَّك المغلَّف ولا المغلِّف، ولا العنوان ولا المؤلِّف، قبل أن تدفع هللةً واحدة ألق نظرة على مقدمة الكتاب وفهرس الموضوعات، بل تصفَّح الكتاب جيدا حتى تطمئن فعلا أ نه يستحق ما ستدفعه فيه؛ لأنَّ المسألة تحولت في الآونة الأخيرة إلى جشع مادي، واستغفال للجيوب، من خلال الدعايات الكاذبة، أو من خلال الخداع بالعناوين البراقة التي لا تحمل معها مضمونا نافعا أو ممتعا. 12 - وعلى مستوى الدراسات الأدبية والنقدية وجدتُ مبالغةً نوعاً ما في انتشار الدراسات التداولية والحجاجية، وكأنها صارت موضةً في السنوات الأخيرة، وقد بلغتْ أوجها هذا العام، وأرجو ألا يُفهم من هذا أنني ضد هذه الدراسات، لكنني أرجو أن تُقدِّم جديدا مختلفا، دون أن تجترَّ دراسات السابقين وأدواتهم مع تغيير شكلي في المصطلحات، وألا يكون همها التسويق لأنفسها من خلال العناوين بدعوى مواكبة العصر كما حاول صاحب هذا المقال أن يفعل من خلال عنوانه!