مع هذه الثورة الكبيرة في ما تقدّمه القنوات الفضائية من مسلسلات بشكل عام وتاريخية على وجه الخصوص كان السؤال الطبيعي هو قياس نسبة الرضا لدى المعنيين بالتاريخ سواء كان تاريخاً محلياً أو تاريخاً عربياً وإسلامياً، وليس سراً أن النسبة العظمى إن لم يكن هناك شبه إجماع على عدم الرضا على ما يطرح تحت العنوان العريض الدراما التاريخية) وهنا آراء مجموعة من المهتمين سألناهم فأجابوا، وإن كان كل منهم يمثّل رأيه الشخصي فيما قال إلا أنهم يمثّلون شريحة من المجتمع من المهم معرفة رأيهم. المدلج: بعض المسلسلات قدمت رومانسية زائلة، وبعضها سلط الضوء على أعلام مسلمين في البداية تحدث لنا الأستاذ عبد الله المدلج، وهو مهتم بتاريخنا المحلي، وصاحب رؤية دقيقة، ولم يخل حديثه من شيء من النقد الموضوعي لهذه المسلسلات، حيث قال: إن هذه المسلسلات لم تحقق شيئاً إيجابياً، بحسب المدلج، حيت يقول: مع صعوبة استحضار مشاهداتي لبعض المسلسلات الدرامية والتاريخية ولكن قليل من الانطباع في الذاكرة عنها أقول إن المسلسلات الدرامية لم تحقق أي شيء إيجابي في نفس المشاهد نحو التاريخ أو المجتمع إلا جرعات رومانسية زائلة وشيء من الحماس لانتصار الخير على الشرّ وأما ناحية المسلسلات التاريخية فلها بعض الفضل في التعريف ببعض القيم والإنجازات الإسلامية خاصة تسليط الضوء على قليل من الشخصيات الإسلامية المميزة وما لها من بطولات وما في تاريخ الإسلام من إنجازات مؤثِّرة على البشرية مع حاجتها إلى مزيد من التوثيق والتحقيق التاريخي وقد كان معظمها بالفصحى وهذا له إيجابيته الواضحة. ويضيف الأستاذ المدلج أن من ملاحظاته على المسلسلات التاريخية ما طال الدولة العثمانية من التشويه باستغلال ضعفها في الأخير لإنكار مجدها وخدمتها ونشرها للإسلام وكذلك تشويه أخلاقيات الخليفة هارون الرشيد الذي يحج سنة ويغزو سنة. دليل القحطاني: كتَّاب هذه المسلسلات لا بد أن يعرفوا البيئة والمجتمع كما تحدثت لنا في هذا التحقيق الدكتورة دليل بنت مطلق القحطاني مديرة القسم النسائي في المتحف بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي والآثارية المعروفة، حيث بدأت قولها: تعد المسلسلات التاريخية أداة مهمة في صنع وعي المجتمعات، وإعادة ربطهم برموزهم وبأمجاد تاريخهم، وذلك من خلال تجسيد الشخصيات التاريخية وتدوين الأحداث بموضوعية وثقة وإبراز ما يرونه مناسباً لتحقيق الهدف والتميز بالجودة في عرض الحقائق والوثائق والوقائع الثابتة. ولا بد في ذلك من مهارة عالية وإشراف مؤرِّخين وعلماء يتميزون بالدقة العلمية. وترى الدكتورة القحطاني أن ما نراه الآن من بعض المسلسلات التاريخية يفتقد ما سبق ذكره. فقد تحولت المسلسلات إلى أداة هدم وتشويه للتاريخ وسير رموزه وعدم التدقيق في النصوص التاريخية، كذلك عدم الاستدلال بالروايات الصحيحة من بطون الكتب إضافة لأخطاء تاريخية كثيرة داخل العمل مثل الأزياء وتشويه الديكور واللهجات. عليه لا بد من ضرورة معرفة كاتب العمل الدرامي بالبيئة والمجتمع الذي يتحدث عنه معرفة قوية والاعتماد في ذلك على مؤرّخون وعلماء يبرزون ما يرونه مناسباً وما هو غير ذلك، أيضاً لا بد أن تكون المسلسلات التاريخية حافزاً ومحرضاً على قراءة الكثير عن موضوع المسلسل أو العصر أو الشخصية. التركي: المبالغة أفسدت المسلسلات التاريخية من جهتها ترى الدكتورة هند بنت محمد التركي أن عنصر المبالغة كان له الأثر السلبي في مضمون هذه المسلسلات، حيث تقول: المسلسلات التاريخية والدراما الخليجية نقلت بلا شك تاريخينا المحلي. والعربي والإسلامي ونقلت حياتنا بكل محاورها إلا أن دخول عنصر المبالغة في الحدث وتضخيم حجمه أفسد المسلسلات وأبعدها عن جو الواقع ووصف القصص. واختراع أبطالها هو وصف كذلك بعيد عن الواقع لأن الأسر الخليجية يغلب عليها العادات والتقاليد وما زالت معظم الأسر محافظه عليها. كما أن وصف الحقائق. العربية والحوادث الإسلامية يدخل عليها الوصف والعنصر القصصي الذي يبعدها عن الحقيقة التاريخية، حيث نجد الحدث مخالف لما عرفناه وقرأناه وغالباً ما يكون وصفاً مبالغاً فيه. ولكن لا يمنع ذلك من مشاهدة. النهاري: هناك أعمال تاريخية جيدة لكنها نادرة في حين يرى الباحث والمؤلف محمد بن سعد النهاري أنه ضد التعميم في نقد المسلسلات التاريخية ويقول: فهو لا يتفق مع التعميم بأن: الدراما والمسلسلات التاريخية قد شوّهت تاريخنا المحلي والعربي والإسلامي. بل هناك أعمال درامية قدمت تاريخنا بصورة جيدة ومرضية - على ندرتها- وهناك على النقيض أعمال درامية أخرى شوّهته وقدّمت لنا مشاهد منتقاة بزيادات مخلة على مضمونه التاريخي بالإضافة لأحداث لم تكن موجودة فيه من الأساس. والواقع الذي يدعونا لعدم التعميم في الحكم. أن هناك كتاباً للدراما مختصين ومعاصرين يستطيعون تحويل بعض الأعمال الأدبية إلى أعمال درامية مميزة وصادقة - بدون تزييف- فتثري أعمالهم هذا الجانب ولا تضر به. وإذا ما وجدت العناية من الكاتب الدرامي أو محول النص الأدبي إلى الدراما والتركيز وعدم ظلم النص التاريخي.. فإن العمل سيلقى قبولاً ونجاحاً، وأما إذا كان العمل مختزلاً اختزالاً مخلاً بالنص أو به زيادة تشوّهه وتفقده جماليته، وتفرّغه من مضمونه الذي دون من أجله إلى غير ذلك مما يُسمى بضروريات الكتابة الدرامية فإن هذا من الأسباب التي تقدّم تاريخنا مشوّهاً وغير حقيقي. العتيق: المسلسلات التاريخية اطلعتنا على شيء من تاريخنا لكنها دون الطموح وأما الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالعزيز العتيق، وهو مهتم بالإدارة والجودة، فلم يكن متفائلاً بما تقدمه المسلسلات التاريخية، فيقول: صحيح أن الدراما والمسلسلات التاريخية اطلعتنا على جانب من تاريخنا الإسلامي. غير أنها لم تكن على مستوى الطموح.. فانحرفت عن ما كان يجب.. فقدمت تاريخنا الإسلامي بشكل مشوّه... فمررت من خلالها بعض المذاهب والمعتقدات على أنها حقيقة مسلمة وليس عليها خلاف وهذه قاصمة الظهر.. ثم إنها صورت بعض العصور الإسلامية العظيمة وأمراءها على أنهم مترفون ومتفشو في إماراتهم الفساد واللهو.. وهذا خلاف الحقيقة الني عرفنا فيها تلك العصور وما كانت عليه من علم وتحضّر ورقي. الضويحي: نحتاج إلى أي وسيلة تعرف بتاريخنا في حين كان المؤرّخ المعروف الأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي، فقد كان أقرب إلى محاولة الاستفادة من هذه المسلسلات لأننا نحتاج إليها، وقال: لا شك أننا بحاجة إلى أي وسيلة يمكننا من خلالها التعريف والإعلام بعظماء قضوا عبر التاريخ، ولعل تلك المسلسلات والدراما التاريخية إحدى هذه الوسائل الجاذبة والتي يمكن استغلالها لتمجيد وتخليد أسماء عرفنا عنها مكارم وشيم العرب أو أولئك الصفوة الذين قضوا نحبهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم والذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل نشر الإسلام والدفاع عنه وعن أهله. ولا شك أن كتابة نصوص المسلسلات التاريخية وأحداثها ليست بالأمر الهيِّن، فهي تحتاج أن يكون الكاتب على قدر من الدراية والفهم بمجريات التاريخ والأحداث والأوضاع المصاحبة لكل حقبة زمنية. ولا ضير أن يضيف الكاتب لتلك المسلسلات والأحداث التاريخية بعض الأفكار الإبداعية التي تساعد وتضمن حبك سيناريوهات تلك المشاهد على أن لا تؤثّر تلك الإضافات في مضمون الأحداث أو مصداقيتها، مع التأكيد على ضرورة الابتعاد عن الابتذال خاصة في اللغة أو الزي واللباس. وعلى الجانب الآخر يجدر بكاتبي ومؤلفي تلك المسلسلات ترك وحذف أي أحداث قد تسبب الفرقة أو الفتنة أو التعصب وعدم الإصرار على ذكرها بحجة الأمانة التاريخية. المشرف: الدراما التاريخية لم تحدث أثراً! وبدأ الباحث والناشط الاجتماعي عبدالعزيز بن مشرف حديثه بالمثل المشهور (زامر الحي لا يطرب).. ويسأل ابن مشرف ويقول: من هم صنّاع الدراما لدينا؟ سؤال كبير بحجم مساحه مملكتنا الشاسعة.. ما قدمته الدراما المحلية من مسلسلات لا يعدو كونه نقطة في بحر.. أي جرفته الأمواج دون أن يترك أثراً.. وهذه سلبية تسجل على فريق العمل لدينا من مخرجين ومنتجين وعاملين في الكواليس (المؤلفون). ما هي القيمة الفنية؟ وما هي القيمة المضافة للمشاهد؟ الجواب: حفنة رمل على كثبان الربع (الغالي) العملاق.. أعلى يقين أن الدراما (المستوردة) سحبت البساط، بل خلعت رداء الأعمال الفنية المحلية ورمته بعيداً! فخلال عقدين من الزمن لعبت تلكم الدراما دوراً فاعلاً في إبعاد، بل تقزيم أي عمل محلي.. حلقات تجاوزت المائة في كل حاله (تاريخية أو إنسانية أو اجتماعية أو حتى رومانسية).. هيهات.. هيهات أن تترك مجالاً للدراما المحلية.. لقد حققت الكثير من النجاحات بسبب صانع القرار الذي اختارها وأفرد لها مساحات شاسعة في منافذ الإعلام المرئي والمسموع وحتى المقروء. وعوداً على بدء هل الدراما المحلية خدمت تاريخنا المحلي؟ وقدمته بصورة جيدة ومرضية؟ والإجابة عندي فيها (غصة)، بل (شرقة) يسبقها (دمعة) ظهرت رغماً عني لما آل إليه العمل الدرامي في بلدي المملكة العربية السعودية.. نظرة فاحصة ومجردة من العواطف.. تبيّن أننا لم نقدّم تاريخنا المحلي للمشاهد المحلي بما يرضي طموحه فضلاً عن التاريخ العربي والإسلامي.. لا في المكان ولا الزمان ولا المرأة ولا العادات.. مواضيع تنتظر دورها على الساحة الفنية.. فهل تحدث معجزة؟ وتنهض، بل تنطلق الدراما السعودية إلى رحاب العالمية لتصل عند رؤية (2030)؟ آمل ذلك.. وإنني متفائل. البقمي: المسلسلات التاريخية استغلها البعض لأهداف أخرى! وترى الكاتبة والقاصة ابتسام البقمي أن هناك من يوظّف هذه المسلسلات لأهداف أخرى حيث تقول: من وجهة نظري المسلسلات التاريخية لم تقدم الدور المنتظر منها؛ فالبعض ممن غامر وقدم أعمال تاريخية استغلها إما في إسقاطات تصب في صالح جهات أخرى، أو شوّه الحقائق لإرضاء الآخرين بمبررات درامية لا تغفر له في المستوى المقدم، فالتاريخ غير السرد الأدبي الخاضع للخيال، تزييف الحقائق لا يمكن قبوله بمبررات تجعل المتلقي غير المطلع ينشأ على أن هذا هو تاريخنا، وحتى لا يفهم رأيي بشكل خاطئ، أنا لا أقول بأن على الدراما أن تقدّم فيلم وثائقي، وإنما عليها أن تستخدم خيال الكاتب فيما لا يقدم الحقائق بشكل يرضي أطراف على حساب متلق ربما يفهم أن هذا تاريخنا، التاريخ لا يخضع لمزاجية منتج أو قناة، وما لم يقدم العمل الدرامي مسلسل حيادي ناقل للماضي متدخل بحدود معينة فلنترك ذلك خير من تشويه ماضينا. الجمعان: تاريخنا المحلييحتاج إلى صياغة وأما الأستاذ محمد بن ناصر الجمعان، وهو باحث تاريخي ويدير متحف نفحات من الماضي بمحافظة الحريق، فهو يطلب أن تركز هذه المسلسلات على تاريخنا الوطني، وأن تُصاغ بلغة جيدة، فهو يقول في حديثه للوراق: عندما نتحدث عن الدراما وخدمتها للتاريخ فإذا كان التاريخ المحلي فما زال التاريخ المحلي يحتاج لصياغة ليقدّم للمواطن السعودي بقالب يحكي مراحل تأسيس هذا الكيان فهذه الصياغة غابت عنها بعض الحقائق وبالتالي فهو يقدّم لنا بالطريقة التي يراها صاحب القرار وهناك أحداث من الصعب التحدث عنها فإذا غابت الحقيقة أصبح فيها المجال للغلط. فخلال السنوات لم تقدّم لنا دراما واقعية مع أن هناك كتاباً لو طلب منهم ذلك ستكون دراما تستحق المشاهدة. أما الدراما العربية والإسلامية فهي ليست بعيدة عن الدراما المحلية فأصبحنا نشاهدها فقط في شهر رمضان المبارك فهي تعاني مثل معاناة الدراما المحلية فأصبحت بعض المسلسلات تتحدث بالسخرية عن الواقع التاريخ العربي والإسلامي فهي لم تخدم تاريخهما بالطريقة التي دونت بالتاريخ وأصبحت مجال للتزوير والكذب. الخضر: بعض المخرّجين من غير المسلمين أساء لنا من خلال هذه المسلسلات وليس بعيداً عن توظيف هذه المسلسلات لأهداف أخرى تحدثت طالبة الدكتوراه في التاريخ الأستاذة نوف الخضر، حيث تقول: على الرغم من دور المسلسلات التاريخية في تجسيد دور بعض الشخصيات الإسلامية البارزة التي أسهمت في تسليط الضوء على جزء من تاريخ المسلمين المشرق الذي قد يخفى على الكثير إلا أنها لا تخلو من مبالغات وإضافات وفق ما يقتضيه المشهد أما للتشويق ولفت أنظار المشاهدين أو بقصد الإساءة لبعض الشخصيات الإسلامية بصفة متعمدة لزعزعه مكانتهم في نفوس شباب الأمة الإسلامية وخصوصاً أن بعض الممثلين والمخرجين غير مسلمين، بل إن بعضهم عرف ببغضه الشديد للإسلام للأسف إلى جانب وقوع عديد من المخالفات للوقائع التاريخية بسبب جهل كاتب الدراما بالأحداث أو الاعتماد على مصادر معادية أو غير موثقة. وتضيف الباحة نوف الخضر: ولا شك أنه لا يمكن إنكار دور تلك المسلسلات في التأثير على المجتمع والذي يلاحظ من خلال صداه الواسع في نفوس الأجيال الناشئة مما يؤكد أهمية تعزيز هذا الجانب والعناية به من قبل مختصين في مجال التاريخ أولاً وممثلين ومخرجين مسلمين أو على قدر من الحيادية التي تعطي انطباع قريب للواقع ثانياً ومراعاة طرح التاريخ العربي بوجه عام والمحلي بوجه خاص لتعزيز الانتماء والولاء وتوضيح جزء من التاريخ قد يكون غامضاً خصوصاً في عصر التكنولوجا والتقنية التي أدت إلى انصراف الكثير عن القراءة فكانت المسلسلات التاريخية أحد الأساليب الجميلة والمشوقة في تثقيف الأجيال وربطهم بتاريخهم وثقافتهم.. وقد أعجبتني فكرة بعض الشباب المهتمين في التاريخ الذين استغلوا مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بالتاريخ المحلي والعربي بأسلوب مشوق وجميل وكان لهم حضور إعلامي مميز بين شريحة واسعة من أفراد المجتمع. ابن سفيران: من عيوب المسلسلات التاريخية ضعف السيناريو ويرى الأستاذ فواز بن سفيران أن بعض هذه المسلسلات عيبها ضعف السيناريو، مما يؤثّر على المضمون فيقول: المسلسلات التاريخية شأنها شأن غيرها مما هو موجود في الساحة الفنية من حيث العيوب والمزايا التي لا تخفى على متابع. فمن عيوبها ضعف السيناريو كما يسمى ليخدم أهدافاً إعلامية أو فنية وكذلك ضعف الإعداد التاريخي البحثي، حيث إن كثيراً من المسلسلات لا توحي للمشاهد بالحقبة الزمنية المنشودة وكل ذلك بعيداً عن الإخراج الفعلي لتلك الأعمال بيد أن للمسلسلات التاريخية الموجودة ميزة واحدة كبيرة، حيث إنها الرابط الفني الوحيد الذي يذكرنا بتلك الأوقات ويحيي فينا حس التحليل الزمني.