يروي الأستاذ محمد المحمود الكاتب السعودي المعروف في تغريدة له، هذه المعلومة: (يذكر سفر الحوالي في محاضرة: أسباب النصر: أن الغاز السام عندما ألقي على الأفغان انعقد كسحابة، ثم ألقته الريح على الكفار، الريح من جنود الله). سفر الحوالي هذا كان من أساطين الصحوة الكبار، وممن كان له مساهمات ذات أثر بالغ في تأسيسها، والتنظير لأفكارها. وليس لدي أدنى شك أن كثيرا ممن سمعوا هذه المعلومة، صدقوها، اللهم إلا من رحم ربك. هذا المثال الأسطوري وغيره من الأمثلة، والروايات، التي تكسر نواميس الكون، وتُجذِّر الإيمان بالأساطير والخرافات، غير المعقولة، كانت أهم ما يتميز به الخطاب الصحوي الذي كان سائدا في تلك الأحايين. ولك أن تتصور مدى الجهل الذي كان من أهم أسباب تعثر التنمية البشرية في العقود الثلاثة الماضية، الذي كان مسيطرا ومتحكما فيمن كانوا شبابا آنذاك، والصحويون، أو هم جماعة الإخوان، وكذلك السروريون، كانوا يدركون تمام الإدراك أن هذه هي الوسيلة المثلى للسيطرة على عقول العوام من شباب لا يقرأ ومحدود التعليم والاطلاع بالعوالم المتفوقة، بتجهيله، والنأي به عن العقلانية والمنطق؛ وكانوا حينها يحاربون كل الظواهر الحضارية المعاصرة وفلسفاتها، التي تشجع التفكير العقلاني الحديث؛ بل إن أحد أساطينهم الكبار، قد ألف كتابا قال فيه عن (الحداثة) والحداثيين ما لم يقله الإمام مالك في الخمر. لذلك فإن ما تُسمى بالصحوة، وفكر الصحوة، ودعاة الصحوة، كان سقوطهم حتميا، وقد كتبت عن ذلك إبان تألق الصحوة ونفوذ دعاتها، لسبب بسيط واحد هو أنها تنسف العقل، وتُضاد سنة التطور، وتراهن على الجهل والخرافات، وتكريس التجهيل، وقبول الأساطير التي تناقض نواميس الكون، سواء كان ذلك في المناهج المدرسية التي سيطروا عليها، أو الإعلامية التي كانوا يُرعبون كتابها ومحرريها، وحتى على منابر الجمع، وحلقات الوعظ والإرشاد في المساجد؛ أما العلم الحقيقي، علم التجربة والبرهان، والفلسفة، والمنطق، فقد كانوا لا يستحون من تضليل نظرياته، وتضليل المتعاملين معه في أقوالهم وخطاباتهم؛ ومن ذلك ترديدهم -مثلا- مقولة (نقلية لواحد من السلفيين تقول: (من تمنطق تزندق)). ومن يرددون مثل هذه المقولة، ومن يتلقونها بالتسليم التام والمطلق، لا يعلمون أن علوم العصر ومنتجات التكنولوجيا التي ينعمون في ظِلالها ورفاهيتها في العصر الحاضر هي نتيجة من نتائج الفكر المنطقي العقلاني. وأنا على يقين تام أن الصحوة سقطت لأسباب ومبررات منطقية، أهمها على الإطلاق، انتشار العلم المتكئ على الحوارات والنقاشات، التي وصلت إلى مجتمعاتنا من خلال ثورة الاتصالات، فلم تعد الكلمة النقدية تحتاج إلى أن تمر من خلال الرقيب، بل هي الآن مثل الطيور المهاجرة لا تستأذن أحدا في الأصقاع التي تهاجر إليها؛ ولأن الإنسان بفطرته منطقي وعقلاني، فإن الوعي ازداد بشكل يكاد أن يكون ثوريا، لو قارناها بما كنا أثناء سيطرة الجهلة الصحويين، مع ما تشهده الساحة من حراك ثقافي في السنين الأخيرة. والمجتمعات إذا تعلمت تعليما حقيقيا، سواء كان ذلك مباشرا أو غير مباشر، فإن النكوص إلى الجهل والتصديق بالخرافات سيكون قطعا شبه مستحيل إذا لم يكن مستحيلا فعلا. لهذا كله فأنا مطمئن تمام الاطمئنان إلى أن فترة التجهيل المُمأسس والممنهج انتقلت في بلادنا من الجغرافيا إلى التاريخ الذي لا يمكن أن يعود. إلى اللقاء