كان واضحاً مُنذ البداية أنَّ مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل ولد كبيراً ليبقى ويتطور - كأكبر تجمع واحتفاء من نوعه في العالم - بالإبل ومحبيها وملاكها، لذا لم تفاجئني النقلة النوعية التي تشهدها (النسخة الثانية) من المهرجان المُقام حالياً في الصياهد الجنوبية لنفود الدهناء، وأذكر عندما حضرنا النسخة الأولى للمهرجان في العام الماضي ورغم شعورنا بالاحترافية في التنظيم، إلا أنَّ نوعاً من الخشية انتابنا خوفاً من تكرار المهرجان لنفسه في الأعوام التالية، وذلك عطفاً على المستوى الكبير الذي بلغه عند الانطلاقة، ولكن الحقيقة التي نعيشها اليوم غير ذلك تماماً، مما يؤكد أنَّ دارة الملك عبدالعزيز تبدو عازمة بكل جد وصدق ومُثابرة على إخراج حدث عالمي فريد من نوعه، لا يشبه شيء، ليعكس ثقافة الإبل المُتأصلة عند شريحة كبيرة جداً من أبناء المجتمع السعودي، بشكل لائق ومناسب يرضي جميع الأذواق، ويتناسب مع مكانة الاسم الذي يحمله المهرجان. حضور المرأة اللافت ومشاركتها المتميزة في تنظيم الحدث، قرَّب المسافة أكثر بين هذه الرياضة والثقافة وبين استمتاع جميع أفراد الأسرة السعودية والخليجية ممن يلامسون أطراف رمال الدهناء من خلال رحلات الباصات السياحية التي تنقل الأسر من الرياض لأرض المهرجان وتعيدهم مرة أخرى، ليعيشوا تلك الأجواء الفريدة والمُختلفة في قلب الصحراء، بشكل عائلي منظم، حضاري، متطور، ومشوق، لا يقل في مستواه عن أضخم المهرجانات الترفيهية والتعليمية التي يمكن أن نزورها في أشهر العواصم العالمية، من ناحية تكامل الخدمات وطرق العرض وتنوعها، إضافة إلى أنَّ المنظمون وفقوا في تقديم مادة علمية وثقافية وفنية مُتكاملة عن الإبل بشكل مبسط يناسب مختلف الأعمار والثقافات واللغات، فهذه الفعالية جمعت بين التراث والأدب والثقافة والرياضية والاقتصاد في مزج حضاري فريد للموروث الشعبي، يعد مفخرة لكل سعودي يعتز بثقافة الآباء وحضارتهم. في العام الماضي كُنَّا نحتفي بمجرد جلوس الجماهير من محبي وعشاق (مزاين الإبل) على أول منصة مدرجات تخصص لهم، كتأسيس للشكل الجديد لهذه المناسبة وهذا الموروث الشعبي، أمَّا اليوم فقد تجاوز المهرجان تلك المرحلة، لينطلق نحو تدشين البرامج التفاعلية الحديثة مع إطلاق أول قبة بانورامية من نوعها تحكي تاريخ الإبل (فلك وتاريخ) باللغتين العربية والإنجليزية، عبر دمج الضوء بالصوت من خلال أحدث التقنيات المُستخدمة في العالم، لتبهر الحضور وتعكس جانباً مشرقاً يرتبط بالإبل وحضارتها، ومازال في جعبة المهرجان المزيد طوال شهر يناير الحالي. وعلى دروب الخير نلتقي.