عبارة نقشت على صخرة كبيرة تتوسط قرية حالمة. في كل مرة يجتمع شباب القرية عند الغروب بجانب تلك الصخرة يشعلون النار ويعدون الشاي يتساءلون من أي مكان كانت هجرة هذا الغريب وعن أي وطن كان يبحث..! كانوا يتصورونه رجلاً متعبًا توقف عندها ونقش هذه العبارة وغادر يكمل مسيرة أيامه. «الشعور الذي يجتاحك عندما تتخيل الغربة مؤلم فكيف بالذي عاشها» قالها أحد الشباب وهو يشرب كوب الشاي ويتكئ على الصخرة. مؤلم أن تعيش بلا وطن يأويك ولا مكان يحتويك. مؤلم أن تساورك شكوك أن لا مكان يحبك لتمتد جذورك به لتزهر وتثمر كشجرة اختارت لها من الأرض بقعة أحبتها إلى أن ماتت وهي شامخة في مكانها. لا شيء يعدل الوطن ولا مكان يستحق القتال غيره، هذه الحقيقة التي يجب أن يؤمن بها كل البشر ليدركوا كيف أن الحياة بلا سقف تقتطعه من هذه السماء الشاسعة لترفع رأسك إليه وتحمد الله عليه وبلا تراب تلامسه يداك وأنت تقول لا شيء يعدل تراب وطني خالية من طعم الأمان. الوطن مكان بحدود القلب كل مدينة فيه لها صوت وصورة لها لحن تصدح به عندما تتسامر قلوب أصحابها. في ليلة مرض أحد سكان القرية اجتمع أولاده حوله قال لهم: (عمري ثمانون عامًا ولكنني ولدت في هذا المكان قبل ستين عامًا، تاريخ ميلادي بتاريخ تلك الحروف التي نقشت على صخرة الغريب، أنا ولدت حين رسوت على أرض ترغب بي وامرأة تحبني لأصنع معها وطنًا صغيرًا في قلب وطني. الوطن باختصار أرض تحبك زوجة تحتويك تلف ذراعك حولها سندًا وحبًا وطفل يهرب من ظلام الليل إلى نور حضنك) غادرهم الغريب وبقيت الصخرة شاهد على أن الوطن رواية عظيمة كتبت على وجه الأرض! ** **