لم أتوقع هذا السؤال وأنا أقف أمام الموظف أشكو ارتفاع قيمة استهلاك الماء؛ التي تجاوزت الخيال «هل أنت مواطن» ثوبي الأبيض وطاقيتي المخرمة وغترتي البيضاء ولهجتي التي فيها بقايا مدينة الطائف التي هجرتها في منتصف العقد السادس من العمر لم تشفع لي عند الموظف الذي «طالب بالسداد» ثم تقديم الشكوى. شعرت فجأة بحاجة مؤلمة ليد تسندني، فانسحبت بصمت وعند الباب الخارجي لمكتب شركة المياه أنقذني الرصيف، جلست على طرفه المترب أتأمل الشارع والسيارات العابرة وظل يلاحق أجساد مارة من عوالم أخرى، البعض يحدق في والبعض يلوح بكفه. لماذا «أنا» كلمة واحدة دفعتني إلى التفكير في اختيار نفسي؛ وإن كنت ألاحق أفكار تنهش ما تبقى من العمر، جعلتني فريسة سهلة للمرض الذي هربت منه في العقود الخمسة الماضية من حياتي؛ التي كيفتها حسب الحلم الذي أعيشه بعبث وعدم مبالاة عبر أني موجود. عبر أسرار أنا أخلقها، وأمنحها الحياة لتكون حكاية أسردها على الأصدقاء في المقهى، مع دخان الشيشة وعلبة السفن آب وأكواب الشاي وهدوء الحوار وصخبه، وحالة الصمت الذي يفرضه علي طيف «نجوى» المتراقص بين مربعات فناء المقهى وهو يبخل علي بسبب رحيلها المفاجئ؛ وقد سمحت لي بعد أن عرفت أن إحدى هواياتي التصوير الفوتوغرافي بالتقاط صورة لها ذات ظهيرة. تذكرت أني تركت هاتفي النقال عند موظف الحسابات؛ الذي أخذه مني حتى يتأكد من صحة اعتراضي، ويعرف متى وصلتني رسالة شركة المياه وقارن المبلغ المبالغ فيه؛ برسائل سابقة كانت خمسة عشر ريالا وقفزت إلى مائة وعشرين واليوم ألف وسبعمائة ريال لشهر واحد، وأنا أنهض جاء صوته الذي أعرف «السلام عليكم» كان أحمد رفيق المقهى. رافقني إلى الشباك الذي توقعت أني نسيت هاتفي عند الموظف الذي يجلس خلفه، موظف يرد العبارات كما ببغاء منزلية تردد سباب زوجين أنهكهم الهدوء المحيط بهم؛ وخلو الدار من الأبناء وعاملة منزلية فضلت إنهاء مهامها، إذ الجميع أمام شاشة التلفزيون يلاحقون أحداث مسلسل يتابعونه. وأنا أدخل المفتاح في قفل باب المنزل؛ لم أجد سيارتي في موقفها المعتاد؛ وقفت في فتحة الباب قلقا ليرن جرس الهاتف، كانت زوجتي تقول إنها تنتظرني بمركز الحي الطبي وتذكرت أني أوصلتها، وقمت بمراجعة مكتب شركة المياه ومن هناك أوصلني أحمد للمنزل بعدما اشترك في الحوار مع الموظف واستعاد هاتفي. ** **