استعرضنا في الحلقتين السابقتين من ملف «نهاية عصر قناة الجزيرة»، ما سجلته شهادات مختصين في مجال الإعلام والإدارة وخبراء في مراكز دراسات عالمية، عن مسار قناة الجزيرة، الذي يمكن وصفه بأي شيء باستثناء «المهنية»، على الرغم من أنها تعد «لسان وزارة الخارجية القطرية»، الأمر الذي جعل من القناة بحسب شهادات الكتّاب، تضيف إلى منظومة أهدافها المؤدلجة أن تقوم -أيضا- بمهمة برامجية هدفها تقديم «برامج حسن سيرة وسلوك»، لأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني!؛ فتحت عنوان: «قناة الجزيرة تخسر استقلاليتها وحيادها خلال الربيع العربي»، أورد الزميل المترجم الدكتور حمد العيسى، في كتابه (نهاية عصر الجزيرة)، تقريرا نشر بتاريخ 15 فبراير 2012م، في الطبعة الدولية الإنكليزية لمجلة دير شبيغل الألمانية الشهيرة (شبيغل أونلاين إنترناشينال)، حيث كتب التقرير ثلاثة صحفيين ألمان، هم: ألكسندر كوهن، كريستوف رويتر، غريغور بيتر شميتز، الذي ترجمه من الألمانية إلى الإنكليزية بول كوهين؛ الذي جاء فيه: في الآونة الأخيرة غادر الجزيرة العديد من كبار الصحفيين متعللين بأن القناة كشفت ب(وضوح) عن أجندة سياسية غير مستقلة!»؛ لنصل إلى أربعة أمور، نوردها باختصار من خلال الوقفات الرئيسة التالية: الأولى: أن التقرير منشور قبل أكثر من خمس سنوات، وهذا يدل على الانحدار الذي آلت إليه قناة الجزيرة قبل ذلك بسنوات. الثانية: أن الاستقالات من القناة ما زالت منذ ذلك العام تتواصل بشكل جماعي!. الثالثة: استقالات العديد من كبار موظفي القناة ومن رؤساء تحريرها. الرابعة: رغم الإغراءات التي يقدمها النظام القطري، وفي مقدمتها « ملايين الدولارات» سنويا، لم تفلح في إيقاف (نزيف) الاستقالات الجماعية من قناة النظام القطري «الخاصة»!. شبكة «المقايضات»! إلى جانب ما تضمنه التقرير عن (عاصفة الاستقالات الجماعية) منذ عام 2012م، التي ذكر التقرير عن استقالة الإعلامي السوري أكثم سليمان، الذي شعر بخيبة الأمل المريرة من قناة الجزيرة التي شهدت موجة من (الخروج الجماعي) لموظفين بارزين، فلقد غادرها كبار المراسلين والصحافيين في مدن مثل باريس ولندن وموسكو وبيروتوالقاهرة، بالرغم مما تقدمه من مزايا مالية فريدة، وبيئة عمل راقية في مكاتب مركزية فاخرة!»؛ وهذا - أيضا – ما يثبته سليمان في أن كبار المراسلين المحترفين كانوا في مقدمة صفوف الخروج الجماعي من القناة، الأمر الذي يؤكد حجم (غوغائية) قناة الجزيرة، ووجهتها التحريرية الخادمة لأجندة تآمر النظام القطري، وجماعات الإرهاب وتنظيمات، فيما يعرض وصف التقرير شبكة قنوات الجزيرة بما نصه: «حقا إن شبكة قنوات الجزيرة عملاقة، فلديها (3000) آلاف موظف، و (65) مكتبا في مختلف أنحاء العالم.. ولكنها أصبحت تعاني من مشكلة أيضا، وهي أن نقادها أصبحوا يؤكدون - كما لم يسبق من قبل – أن القناة كشفت «بوضوح» عن أجندة سياسية متحيزة، ولم تعد تلتزم بمبادئ «الاستقلالية» الإعلامية!»؛ ومن هنا وعبر هذه الخارطة من الانتشار في المكاتب حول العالم، وبحجم ما تتطلبه من إمكانيات بشرية، وتجهيزات فنية وإعلامية.. فلنا بعد ذلك أن نتخيّل حجم إنفاق النظام القطري على قناة الجزيرة، التي أوردت العديد من التقارير أن إنفاقها خلال الثلاث السنوات الأخيرة تجاوز (180) مليون دولار!. «قناة» خارجية قطر! كما عرض تقرير (شبيغل أونلاين إنترناشينال)، ما وصفه بالنهج الجديد الذي يجسد مصالح وزارة خارجية قطر بالدرجة الأولى، إذ أورد التقرير في هذا السياق:»يقول مراسل بارز في بيروت، كان يعمل في الشبكة قبل عام من تاريخ نشر التقرير: بعد ما كسبت شعبية جارفة بفضل مهنيتها السابقة، أصبحت قناة الجزيرة الآن تتخذ موقفا واضحا لكل بلد تبث عنه تقريرا، ليس على أساس الأولويات والمهنية الصحفية، وإنما بحسب مصالح خارجية قطر، ولذلك اضطررت للمغادرة طوعا لأجل المحافظة على نزاهتي الصحفية»؛ وهنا نستعرض وقفات موجزة كانت من أبرز ما وقف وراء سر ذلك الانتشار الذي اقتصر على السنوات الأولى للقناة: الأولى: حجم الإنفاق «الهائل»، الذي أنفقه النظام القطري على قناة الجزيرة الذي يعادل الإنفاق على عشرات القنوات الفضائية!. الثانية: إن الأولويات المهنية الإعلامية، وقيم الإعلام الأخلاقية، ليست ضمن حسابات القناة وليست ضمن اهتماماتها ولو ضمن ذيل قائمة أولوياتها. الثالثة: إن الشعبية التي حققتها الجزيرة ليس لمهنيتها الإعلامية كما قد يظن، وإنما لاحترافها التزييف والتضليل السافر بشكل غير مسبوق على المستوى العالمي!. الرابعة: حرصت دول مجلس التعاون، على إعطاء النظام القطري سنوات من العودة إلى رشده، بإيقاف مزامير البوق الصفراء، ما جعل من حالة عدم تصعيد دول المجلس ضد قطر تجاه مؤامراتها عامة، وقناة تآمرها خاصة، بمثابة فرصة ذهبية استغلتها القناة لتنفيذ أجندتها بمختلف وسائل التضليل والتدليس والافتعال. الخامسة: كان من البدهي في ظل ممارسات الجزيرة الخارجة عن كل المواثيق الحليجية والعربية، أن تكون القناة الوحيدة عربيا، التي تعمل خارج منظومة الأعراف والمواثيق الإعلامية وأخلاقياتها، في ظل حماية النظام القطري لها، لكونها أولى حراب الحكومة القطرية. مقاطعة عربية وأجنبية! من جانب آخر، كتب الصحفي الأمريكي «كليف كينكيد» في مقالة، نشرها في 9 أغسطس 2013م، على موقع (جمعية مراقبة ممارسة الإعلام)، جاء فيه: «القناة لديها نسختان عربية وإنكليزية، وتعمل بصورة وثيقة مع الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية المتربطة بها ك«تنظيم القاعدة»، وتحصل القناة على تمويل من النظام القطري، الذي يحرم مواطنيه من حرية التعبير، وحرية الصحافة!» مضيفا في مقالته التي تعد شاهدا على تحيز الجزيرة تجاه أحداث مصر لصالح الإخوان المسلمين، قائلا: فقدت قناة الجزيرة مصداقيتها في مصر، حيث فضح المصريون أمام جميع العالم أنشطتها «الدعائية» لصالح الإخوان المسلمين، ووقع تمرد بين موظفيها بسبب تحيزها، وتمت مقاطعة الجزيرة من قبل معظم الصحفيين ووسائل الإعلام في مصر، باستثناء من ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وحتى قبل هذه الفضيحة تم انتقاد قناة «الجزيرة الإنكليزية» بشدة من قبل الليبراليين الأمريكيين..»؛ ما يجعلنا أمام شهادات على ما تمارسه الجزيرة من (دعاية) سياسية مضللة!. «قناة» الوحول! وفي (غولف نيوز) كتب أيمن شرف في 14 يوليو 2013م، الذي كتب عن بعض فضائح الجزيرة في مصر مقالة جاء فيها:»عندما أصبح الرئيس المخلوع محمد مرسي، إعلانا دستوريا لم يحظ بأية شعبية، وجد الكثير من المصريين أنفسهم يغيّرون قناة الجزيرة، ويهربون إلى القنوات المصرية الأخرى! وبلغ عدم الثقة في تغطية الجزيرة مستويات غير مسبوقة! وانحدر بها التحيز المفضوح!لتتحول من القناة المحبوبة الأولى لديهم إلى القناة المكروهة الأولى، ولذلك بدأ موظفوها الآن يشعرون بالحرج، لأنها مرغت سمعتهم المهنية في الوحل!»؛ وهنا تتضح أهداف الجزيرة تجاه البلدان العربية، إذ تكشفت أجندتها التي أخفتها لسنوات، كانت تتظاهر فيها بدعم قضايا الشعب المصري الشقيق، إلا أنهم وجدوا أن الجزيرة لا تدعم في مصر سوى جماعة الإخوان المسلمين المصنفة ضمن الجماعات الإرهابية! الأمر الذي جعل من هذه الممارسة أحد (النماذج) على السقوط الكبير لقناة الجزيرة وأفول دورها المضلل وخداعها المزيف للشعوب العربية وغير العربية، ما أدى إلى انصراف ملايين مشاهديها سنويا، الذين كانت الجزيرة تفاخر بما تزيفه من استطلاعات قياس المشاهدة، لتكون الجزيرة أول الكاذبين وأول المصدقين أيضا!. اجتماعات حمد الحصرية! وفي شهادة أخرى، أضاف شرف خلال مقالته: «قال مسؤول كبير في قناة الجزيرة طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه حتى عندما كانت الجزيرة (تبدو) محايدة سابقا، فإنها كانت في الحقيقة مجرد «أداة سياسية» في يد أمير قطر - حمد بن حليفة – فقد كان يزور شخصيا الاستديوهات في الدوحة خلال حرب العراق، للتأكيد على عدم عرض لقطات لقتلى عراقيين!»، فيما أورد الكاتب في شهادة أخرى، أن مسؤولا آخر في القناة، أنه قال:» في اجتماع خاص في الدوحة عام 2009م، حضره كبار موظفي الجزيرة قال الأمير لهم: «إن دور مصر الإقليمي يجب أن ينتهي إلى الأبد!»؛ وهنا نقف مع هذه الشهادات بعض الوقفات الموجزة: الأولى: التأكيد على الدور السياسي لا الإعلامي للقناة منذ تأسيسها. الثانية: إن أمير قطر بمثابة (رئيس مجلس) الفعلي لإدارة قناة الجزيرة. الثالثة: التآمر من خلال القناة على كل ما هو خليجي، وعربي!. الرابعة: تأكيد النظام القطري على تدمير أي دور إقليمي، لأي دولة عربية، وفي مقدمتها: المملكة، ومصر!. انهيار داخلي للجزيرة ! منذ (عقد) بدأ نزيف الاستقالات من قناة الجزيرة تتضح معالمه، ويزداد نزفه عاما بعد آخر، إلا أن الاستقالات (الجماعية) كانت أحد أبرز شواهد أفول عصر قناة الجزيرة، الذي بدأت أيامه تتآكل، وكأننا أمام مشهد لنيران الجزيرة، (فالنار تأكل نفسها.. إن لم تجد ما تأكله)، ما جعل من الاستقالات الجماعية التي ما تزال (متواصلة)، وأعدادها (متزايدة)، نتيجة لانهيار كيان الجزيرة على مختلف خطوط إنتاجه، وعلى مستويات قيادييها وأجندتها داخل قطر وخارجها، إذ أكدت مقالات كبار الإعلاميين ومقالات نخبة من الخبراء، وصحفيين من الجزيرة نهاية عصر الجزيرة، الذي أكده - أيضا- الكاتب أيمن شرف على موقع (غولف نيوز)، الذي رصد استقالات جماعية كان من ضمنها استقالة كل من: مقدم البرامج طارق عجلان، والمذيعين البارزين: دينا موسى، كارم محمود، ضحى الزهيري، فاطمة نبيل، حسن عبدالغفار، بالإضافة إلى رئيسي التحرير: منال محمود، أحمد عبد الرؤوف، وجميعهم قدموا استقالاتهم احتجاجا على سياسات القناة (المتحيزة)، فيما أورد - أيضا – أن موظفا كبيرا في قناة الجزيرة (مباشر) بأنه استقال (17) موظفا بشكل (جماعي)، فيما استقال بعد موقف القناة من أحداث مصر الأخيرة (22) بين موظف ومذيع من مكتبها في القاهرة، بعد أن أصرّت إدارة القناة على خط تحريري اعتبروه متحيزا بوضوح»؛ ما يجسد حجم انهيار منظومة قنوات الجزيرة، ويعكس بالأدلة والشهادات (الحقيقية) السنوات الأخيرة التي أخذت فيها الجزيرة تغرق في محيطها الذي طفح بالأكاذيب والدعاية الفجة والتضليل المغرض والتزييف المؤدلج.