لم تعد خدمة الإنترنت أمرًا ثانويًا لدى المجتمعات، وإنما تحوّلت إلى عصب حياة لا يمكن الاستغناء عنه، أي أن رداءة جودتها وتدني مستوى تنظيم قطاعاتها والجهات المشتغّلة لها أمر يبعث على القلق، ومن شأنه أن يسهم في تعطيل عجلة أي تنمية وطنيّة، خصوصًا أن التحوّل إلى التعاملات الرقميّة بات ضرورة ملحّة ومرتبطًا بمعدلات الكفاءة والإنجاز. أكثر من 4600 شكوى حول جودة شبكة الإنترنت استقبلتها هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات خلال الربع الأول من عام 2017، أي بمعدل يزيد عن 50 شكوى يوميًا، فضلاً عن الشكاوى التي لم تصل إلى الهيئة، وهو مؤشر سلبي يؤكد على أهمية العمل على تحسين جودة الشبكات، وفرض اشتراطات إضافية على مزودي الخدمات للارتقاء بمستوى الإنترنت، وتوسيع إمكانات شبكاته لتتمكن من استيعاب تزايد أعداد المستخدمين، في ظل ارتفاع مستوى الوعي المجتمعي، وإدراك الأفراد بأهمية استعمال الشبكة العالميّة لإتمام المعاملات وتحصيل التعليم والتواصل مع الآخرين. قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات يعد من أعلى أولويّات القيادة الحكيمة في المملكة، وأحد أبرز عوامل نجاح التحول الوطني 2020، ولا يمكن الاكتفاء بتغطية المناطق ذات الكثافة السكانية العالية فحسب، وإنما من الضروري التمدد أكثر لتشمل التغطية المناطق كافّة، مع مراعاة الجودة وعدم تقطّع الاتصال باستمرار، وهي بالتأكيد تحديات كبرى تواجهها هيئة الاتصالات في هذه المرحلة، وتحتاج إلى رؤية وإستراتيجية أعمق لرفع نسبة استخدام الإنترنت لدى السكّان التي لم تتجاوز 75 في المائة. حاليًا يُسهم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات ب6 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة منخفضة مقارنة بعديد من الدول، ولكي تزداد تلك النسبة، فإننا مطالبون بتطوير البنية التحتية للاتصالات، وتوفير بيئة تنافسيّة قادرة على جذب رؤوس الأموال، وإعادة النظر في آليات إصدار التراخيص لمزودي الخدمات، والرفع من كفاءة حماية المستخدمين وطريقة التعامل مع شكاواهم بما يسهم في تنمية القطاع ورضا المستفيدين منه. كما أن نمو قطاع الاتصالات ليس بمعزل عن تكلفته الماليّة على المستخدمين مقارنة بجودته، إِذ لا بد من أن يتناسب ما ينفقه الفرد مع مستوى الخدمة التي يتحصّل عليها، وإن اختلت هذه المعادلة فإنها ستنعكس سلبًا على منظومة خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات بشكل عام، وستتحول من داعم للتقدم الوطني إلى أحد أبرز العوامل المعرقلة للخطط التنموية الطموحة.