يعد الحج فريضة ربانية وعبادة عظيمة من أعظم العبادات، تتضمن تعاليم وآداب ومنافع، وهو مدرسة تربوية عظيمة يتربى فيها وخلالها الحاج على أفضل الأخلاق وأجمل الصفات، ومن ذلك أن الحاج يتربى على الالتزام بالهدي النبوي وعلى الاستجابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع أموره، وذلك استجابة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «خذوا عني مناسككم»، فالحج يربي المسلم على أن الخير له والفلاح في الالتزام بهدي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. وخلال أداء الحاج مناسك الحج فإنه يتربى على التيسير والتخفيف على الناس لا على المشقة عليهم، وذلك امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «يسِّروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا».، وإذا أدرك الحاج وفقه أن عدداً من أحكام الحج اختلف فيها العلماء فإنه يتربى على قبول الخلاف والرأي الآخر، ما دام لهذا الرأي ما يسوغه من الأدلة والنصوص، مع بقاء الألفة والمحبة بين المسلمين. كما أن الحاج وهو يتنقل بين مشاعر الحج يتربى على حب السلم والسلام، إذ تمنعه أحكام الحج من أن يؤذي إخوانه الحجاج بأي نوع من أنواع الأذى، فربنا -عز وجل- يقول في كتابه الكريم: «ومن دخله كان آمناً». وفي التزام الحاج بمواعيد وأوقات كل منسك من مناسك الحج فإنه يتربى على خلق عظيم وهو الانضباط والالتزام بالمواعيد واحترام الأوقات. كما يربيه الحج على مكارم الأخلاق وحسن التعامل والحلم والعفو والصفح والتسامح الإيثار والرحمة والتعاون والإحسان والبذل والكرم والجود، وعلى الإخلاص لله وتقواه وعلى التخفف من الشهوات، ويربيه على الجدية في حياته. وفي الحج يتعايش الحاج مع أجناس وأعراق مختلفة، فيتربى على التعايش مع الناس والتواصل والتكيف والتعامل معهم مهما اختلفوا، كما أن الحج يربي الحاج على الربط بين أمور الدنيا والآخرة، قال تعالى: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم». وعندما يلبس الحاج قطعتين من الإحرام ويسكن في مكان بقدر ما يكفيه للجلوس والنوم، ويأكل مما يجد فإنه يتربى على الكنز الذي لا يفنى إنه (كنز القناعة)، وعندما يلبس الحاج الإحرام ويشاهد جموع الحجيج وهي تتنقل بين المشاعر فإنه يتذكر حقيقة غابت عن تفكيرنا وكرهتها نفوسنا إنها حقيقية الموت. وبعد أداء الحاج مناسك الحج فإنه يكون قد تربى على الصبر وتحمل المشاق في سبيل الله، إذ يجتمع في الحج أنواع الصبر، صبر على طاعة الله، وصبر عن معصيته، وصبر على التعب والألم والمشقة. كما يربيه الحج على التخلي عن عوائده ومباحاته التي اعتادها، فقد تخلى عن الراحة والكسل. وبعد عودة الحاج من حجه فإنه يتربى على الثقة برحمة الله تعالى، فقد كان السلف يسألون الحجيج الدعاء، ويقولون: استغفروا لنا فقد عدتم بلا ذنوب. أخيراً: الحج مدرسة تربوية يدخلها الحاج فيتربى ويربي نفسه على جملة من الأخلاق الحميدة والصفات الجميلة، ويعود -بإذن الله- مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه. فلله دركم يا حجاج بيت الله، ذهبتم في شوق وعشتم في روحانية وعدتم مغفورة ذنوبكم طاهرة قلوبكم.