أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والالتزام بأوامره والانتهاء عن نواهيه وزواجره، فإنّ السعيد من اتقى الله، وراقبه في سره ونجواه، وها نحن نقترب من أيام عظيمة، أقسم الله بها في سورة الفجر فقال جلّ وعلا {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إنها العشر الأول من ذي الحجة، وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك والسدي والكلبي. وهي أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها، بل إن الله تعالى أقسم بها، وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهذه الأيام العشر المباركة هي أيام عظيمة يتنافس فيها الصالحون لاغتنام أوقاتها بالطاعات والتزود من الصالحات بشتى القربات، وهذا من فضل الله على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم هذه المواسم ولم يجعلها تمر عليه مروراً عابراً، هذه العشر المباركة فيها تضاعف الحسنات، وفيها يوم عظيم من أفضل أيام السنة، ألا وهو يوم عرفة، اليوم المشهود الذي أقسم الله به في قوله جل وعلا {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ }، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة) رواه الترمذي وحسنه الألباني. وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها أحسن استقبال وأفضل اغتنام، وذلك بأمور منها: أولاً: التوبة الصادقة النصوح: ففي التوبة سعادة للعبد في دنياه وفوز وفلاح في أخراه، قال تعالى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}وهذا دليل على أن من تاب إلى ربه واستغفر من ذنبه فإنه يكون من المفلحين. ثانياً: أن يعزم العبد على اغتنام هذه الأيام المباركة، فعلى العبد أن يستغل هذه الأوقات وجميع الأوقات بعمل الطاعات واجتناب المحرمات، وأن يسأل الله تعالى العون والتوفيق، وأن يجاهد نفسه على ذلك، قال تعالى{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، وقال تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، فربط الله جل وعلا دخول الجنة بعد رحمته وعفوه بمجاهدة النفس على طاعته وإلزامها باتباع أوامره واجتناب نواهيه. ثالثاً: البعد عن المعاصي وما يغضب الله، فينبغي للمسلم أن يحذر من الأفعال والأقوال السيئة، وأن يجتنب ما يغضب الله عليه، فكل صغيرة وكبيرة من قول أو فعل سيحاسب عنها الإنسان يوم أن يلقى الله، قال تعالى{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }، وقال تعالى{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وقال جل وعلا (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، وقال تعالى {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، فالواجب على العبد أن يتقي الله في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته، فلا يقل إلا خيرا، ولا يتكلم إلا بخير، يقول جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه. رابعاً: النصيحة لإخوانه المسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن علامات الإيمان أن يسدي العبد النصيحة لإخوانه المسلمين ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال تعالى{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }، وقال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ }، وقال عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. خامساً: دلالة الناس الخير، وإرشادهم وتوجيههم إلى فعل الخير وحثهم على المسابقة إليه، فالعبد المؤمن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه من الخير والصلاح، قال عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.