قبل أكثر من أربعة عقود، في سبتمبر 1975 صدر أمر ملكي بإنشاء الهيئة الملكية للجبيل. ينبع، وهما مدينتان صناعيتان قادتا المملكة إلى حاضرها الاقتصادي المتنامي من خلال تخطيط وتشجيع وتطوير الاستثمار في مجال صناعة البتروكيماويات والصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وها هي الأوامر الملكية الأخيرة تتبنى إنشاء هيئة ملكية لمحافظة العلا، في إشارة واضحة لتخطيط وتطوير صناعة السياحة في المملكة، لما تمتلكه هذه المحافظة من كنوز عظيمة للتراث الثقافي والحضاري لشعوب الجزيرة العربية، الموغلة في القدم، كقوم ثمود، ومدائن صالح، والحجر، وهي بالتخطيط والعمل الدؤوب ستصبح من أهم مناطق الجذب السياحي في العالم، ولو استهدفت استقطاب مليون سائح سنويًا، فهي ومن خلال زيارة سابقة لي، قبل سنوات، قادرة على جذب الملايين من السياح من شتى أنحاء العالم، فنحن قادرون فعلاً على وضعنا أقدامنا في مجال صناعة السياحة بقوة، لما منحنا الله من مناطق تاريخية عظيمة، ولما نشهده مؤخرًا من عمل جاد في هذا الاتجاه. حينما تشرفتُ ضمن كتّاب آخرين، بلقاء ولي العهد، كان يتحدث عن خمسة مرتكزات أساسية لرؤية المملكة 2030، وهي صناعة الطاقة والغاز والتعدين، والمحتوى المحلي، وصناعة الترفيه والسياحة، ولعل السياحة التي تفخر بالتخطيط لها هذه البلاد، لن تكون سياحة ترفيه فحسب، بل سياحة تثقيف ومعرفة، سياحة آثار وتراث ومتاحف، تنقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة التي أسست اقتصادياتها على التنويع، وعدم الاكتفاء بمصدر دخل وحيد، ولعل من بوادر هذا النجاح ما يحققه معرض روائع آثار المملكة، أثناء تنقله بين عواصم العالم في الشرق والغرب، من نجاحات أبهرت الزائرين، فقد كانت هذه المنطقة القديمة من العالم غير مكتشفة، ونحن الآن نكتشفها ونضعها أمام السائحين، كما اكتشفنا النفط في بدايات الدولة، لنقول للعالم إن هذه الأرض لا تختزن تحت طبقاتها البترول فحسب، وإنما تختزن كنوز الأمم القديمة، التي ستبهرنا نحن قبل أن تبهر الآخرين. إن إنشاء هذه الهيئة الملكية لمحافظة العلا، هو مؤشر حقيقي وفاعل، للبدء في تدشين صناعة كبيرة، هي صناعة السياحة والترفيه، خاصة أننا نعرف جيدًا أن دولاً كثيرة تعتمد في دخلها على السياحة فقط، فكيف إذا كان ذلك يمثل دخلاً جديدًا ضمن مجموعة دخول الدولة، وأحد عناصر التنويع الاقتصادي فيها، فضلاً عمّا يحققه من إيجاد فرص وظيفية للمواطنين، ضمن منظومة صناعية كبرى تتحقق يومًا بعد يوم.