زيارة ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو واجتماعه مع بوتين في 30-5-2017 هدفت إلى التعاون في مجال النفط وبحث الأزمة السورية. الاجتماع عقد في الكرملين بعدما اتفقت الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على تمديد فترة خفض الإنتاج التي تم الاتفاق عليها في نوفمبر 2016 تسعة أشهر في خطوة قادتها الرياضوموسكو، وقدم بوتين شكره للأمير محمد بن سلمان على الأفكار والعمل المشترك بشأن الخطوات المشتركة للدول الأعضاء وغير الأعضاء في أوبك التي تساعد على استقرار أسواق الطاقة في العالم. وعملت الدولتان على دفع أسعار النفط المنخفضة رغم الخلافات الشديدة بين الجانبين بشأن سوريا التي ترتبط روسيا بعلاقات وثيقة مع إيران العدو اللدود للسعودية بسبب تمدد وتدخل إيران في المنطقة العربية ودعم المليشيات التابعة لها التي تهدد أمن واستقرار المنطقة. رغم ذلك أبدى بوتين استعداد بلاده بالعمل مع السعودية لحل القضايا الصعبة بما فيها الوضع في سوريا خصوصا بعد زيارة ترامب للسعودية وعقد القمم الثلاث في الرياض التي تمخض عنها محاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني باعتبارها رأس الحربة في دعم وتمويل الإرهاب. تدرك روسيا أن استراتيجية السعودية تقوم على تعزيز الشراكة مع الدول العظمى وعدم الاقتصار على شريك واحد في ظل التقارب الأخير بين الرياضوواشنطن، حيث تعتبر زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان الثالثة خلال عامين إذ سبق أن زار موسكو مرتين عام 2015. زيارة محمد بن سلمان لموسكو تأتي تعزيزا للعلاقات السعودية مع الدول الكبرى والتقارب مع واشنطن لا يفسد التعاون الروسي بل العكس فإن السعودية تريد أكثر من شريك استراتيجي لتحصين المنطقة من المخاطر. خصوصا أن هناك تغيرات تمر بلحظة فاصلة، وكادت ميركل خلال حديثها أمام تجمع انتخابي في ميونيخ بعد عودة ترامب إلى واشنطن بأن تعلن عن موت التحالف الغربي، وهو أمر كانت الولاياتالمتحدة تسعى إلى تجنبه منذ الحرب العالمية الثانية خصوصا بعدما رفض الرئيس ترامب التأكيد على المادة الخامسة بند الدفاع المشترك للحلف، وهو يرسل رسالة واضحة تفيد بأن التزام أمريكا للدفاع عن أوروبا الذي يصل إلى نحو 75 في المائة من إجمالي نفقات الناتو لا يمكن اعتباره بعد الآن أمرا مفروغا منه، هذا بدوره يخاطر بتشجيع روسيا على اختبار دفاعات حلف الناتو بعدما حافظ على أمن أوروبا 70 عاما، وهو ما جعل حلف الناتو يعلن انضمامه إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولاياتالمتحدة وهو تعزيز المعارضة السورية بهدف الإطاحة بالأسد، وهو ما يجعل روسيا ضمن قائمة مصادر التهديد لدول الحلف. نلحظ في المقابل ترحيب روسي بتحرك أميركي ثنائي لاستئناف حوار التسوية الأوكرانية وهو ما يعتبره البعض التطبيع بين الولاياتالمتحدةوروسيا عبر بوابة الأزمة الأوكرانية، بل حتى فرنسا التي أعلنت لبوتين عن رغبتها في تعزيز الشراكة مع روسيا، وتريد فرنسا أن تدخل سوريا عبر بوابة روسيا. اعتبر ماكرون اللجوء إلى السلاح الكيماوي خط أحمر وأن أي استخدام له ستليه عمليات انتقامية ورد مباشر من فرنسا في أي حال ما يعكس تغيرا جوهريا في التعاطي العسكري مع الأزمة السورية، عكس موقف سلفه هولاند الذي تراجع عن ضرب أهداف عسكرية للنظام السوري في صيف عام 2013 بعد تراجع الرئيس الأمريكي السابق الذي كان بدوره قد وصف اللجوء إلى الكيماوي بأنه خط أحمر. كما أكد ماكرون أولوية إقامة خريطة طريق سياسية من أجل الوصول إلى حل سياسي شامل من شأنه القضاء على الإرهاب وفي نفس الوقت إعادة السلام إلى سوريا، وهي فرصة لخروج فرنسا وأوربا من حالة التهميش التي تعاني منها باريس وأوروبا في الملف السوري، ومن الثوابت الفرنسية تأكيد ماكرون على الحاجة إلى عملية انتقال ديمقراطي في سوريا شرط أن يكون الحل السياسي شاملا للجميع وأن يحافظ على بنى الدولة لأن في رأي ماكرون بأن الدولة الفاشلة تشكل تهديدا لدول أوروبا الديمقراطية وأدت إلى تقدم المجموعات الإرهابية. رغم أن آمال بوتين خابت في إصلاح سريع للعلاقات الروسية الأمريكية بعد التحقيقات في تدخل الأجهزة الروسية في الانتخابات الأمريكية، ما يعني أن ملف التطبيع مع واشنطن وضع على الرف في الوقت الحاضر، لكن التقارب مع فرنسا له انعكاسات إيجابية على العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي الذي ما زال يفرض وواشنطن عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية على روسيا بسبب أوكرانيا. وقد استبق ماكرون أي انتقادات لمبادراته الدبلوماسية بالتأكيد على الحاجة إلى الحوار مع روسيا ولكنه لن يقدم أي تنازل بخصوص أوكرانيا، بينما يرى ماكرون غياب الدول الغربية عما يجري في أستانة يعد انكسارا لها وأن رؤيته لسوريا محكومة بثلاثة هواجس الأول إلحاق الهزيمة بداعش والثاني العمل على حل سياسي جماعي أي لا يكون متروكا لروسيا وحدها ويضم كل الأطراف وأخيرا المحافظة على بنى الدولة السورية مخافة الوقوع مجددا في الفراغ واستنساخ التجربتين العراقية والليبية. مثل تلك الزيارات بما فيها زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لن تسفر عن حلول للمسائل الخلافية بين تلك الدول وموسكو، لكنها تشكل بالمقابل فرصة لإقامة تواصل مباشر والسعي لإرساء أسس لحوار جدي على قاعدة ما يريده كل طرف وتخطي حالة التشكيك التي تراكمت في السنوات الأخيرة.