وقتما نمر بين طرقات تلك البيوت الطينية، ونرى أبوابها مؤصدة! نشعرٌ بغصة الشوق وألفة المكان.. وقفت أنظر باباً قد أغلق وكأنة الخط الفاصل بين الوقتين، ماذا تريد أن ترى عندما تدفع هذا الباب؟! لكل منا أمنية.. عبق رائحة، وشوق مقيت.. لكل منا قصة أغلقت أحداثها وقتما أغلق الباب.. أتريد دفعه لترى تلك العجوز التي تمشط شعرها بالسدر وهي تغني حفيدها..؟! أم تلك التي تخضٌ اللبن وهي تنادي أبناءها أن أحضروا التمر.. إلى ماذا تتوق؟ لبساطٍ من خوص النخيل أم لحديث ذلك المجلس عن مقت البخيل؟! ماذا سيكون عند فتحه؟! رجل مسن سبحته تعانق أصابعه أم والد يتكئ هاجساً يحسب منذ متى ذهب ابنه منذ سنوات بحثاً عن عمل؟! بيوت سقوفها من السعف، وجدرانها من الطين، وأرضها من الحصير، وشبابيكها مأوى العصافير.. نورها قنديل وقليل من سجود وترتيل.. لملمت شتات أجسادنا وعلمتنا، فكبرنا لا نعرف التأويل.. ليتها لم تغلق تلك الأبواب وتلك الطرقات والدكاكين.. ليتهم لم يموتوا أولئك الآباء والأمهات.. والمعلم النبيل.. بيوت كانت من طين وكنا بها في نعيم.. أغلقت في وجه الزمن الجميل.. قصص الأنبياء والراشدين وحلقات العم صالح وفتاوى الراحلين.. أغلقت نعم أغلقت، وفتحت بداخلنا أجمل ابتسامات الحنين. يا راحلين.. دعواتنا كلما هبت على تلك الأبواب نسائم الأنين.. أن نلتقي بيتاً أبوابة لا تغلق ولا تموت ولا تلين.