أن تعلن إيران الصفوية عداءها للعرب على مدى ألف وأربعمائة عام ليس غريبا؛ فهم مكسورون منهزمون مطعونون طعنة نجلاء لا يمكن أن ينسوها بعد قادسية عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص عام 15ه رضي الله عنهما. وقد دأبت أمة يزدجرد الذي سقط تاجه من على رأسه إلى يوم الدين بعد هزيمتهم على نسج المؤامرات ورسم الدسائس وإشعال الفتن في الأمة العربية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، فالهرمزان الذي أمنه عمر - رضي الله عنه - على حياته وجلبه إلى المدينة كان أحد الثلاثة الذين تآمروا على قتله على يد أبي لؤلؤة المجوسي بخنجر مسموم عام 23ه وهم من تمالأ مع اليهود وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ لزرع بذور الانقسام والشقاق في الدولة العربية الناشئة؛ فحاكوا الدسائس لتأليب الناس على الخليفة الثالث عثمان -رضي الله عنه- حتى قتل، ثم امتد التنازع والاختلاف على من ارتكب الجناية ومحاسبتهم بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - وسار الكائدون للدولة العربية الإسلامية في طريق هدمها بإدخالها في أول مواجهة حربية مسلحة بين حاكمين؛ هما علي ومعاوية في معركتي صفين والجمل، ثم أراد الكائدون من الفرس واليهود ألا تنطفئ شرارة الاختلاف والانشقاق فبذروا في التربة العربية فكرا سياسيا دمويا لا يمكن أن يجف يعمق الاختلاف ويورثه إلى الأجيال المتعاقبة هو ما عرف ب«الشيعة» و«الخوارج». نتفهم أن يحتقن المهزومون وأن يطلبوا الثأر وألا ينسوا جراحهم مهما طال بهم الزمن وامتدت بهم سنوات الانتظار للانتقام، ولكننا لا يمكن أن نقتنع بأن يلهث خلفهم طوائف وفرق وأشياع وأتباع من العرب والمسلمين يرفعون راياتهم ويدافعون عنهم ويعملون تحت سلطاتهم ويأتمرون بأوامرهم تحت خديعة فكر «التشيع» أو فكر «الخوارج» إلى اليوم! وعلى مدى التاريخ العربي الإسلامي كله عجز الفرس - على الرغم من ادعائهم الانصهار في الإسلام - عن إسقاط الراية العربية؛ على ما بذلوه وما صنعوه من مكايد، فحين عجزت فكرة التشيع ومعها فكرة الخروج عن إسقاط الدولة الراشدية ثم الأموية لجؤوا إلى التفريق بين قريش؛ فانتصروا لبني العباس - لا حبا لهم ولا اقتناعا بهم - بل كراهية لبني أمية ورغبة في إحداث حرب دامية بين العرب، وهو ما حدث بالفعل، حيث تمت عمليات استئصال بشعة لكل ما هو أموي بعد عام 132ه وعمل الفرس مع أبي جعفر السفاح ومن تابعه من العباسيين على سحق العرب الأمويين وتكوين دولة فارسية بغطاء عباسي؛ ويبدو أن أبا جعفر كان يدرك غايتهم الدنيئة فانتصر بهم على بني أعمامه الأمويين ثم انقلب عليهم وأعدم أبرز قادتهم أبا مسلم الخراساني الذي أظهر بوادر استقلال بإقليم خراسان. وما فتئ الفرس يكيدون للعرب وللإسلام؛ من أجل إسقاطهما وإعادة الحضارة الساسانية التي أفلت؛ فتركز تخريبهم وإفسادهم على الأساس الذي انطلق منه العرب واستمدوا طاقتهم وفجر فيهم القوة الخفية الكامنة؛ وهو «الإسلام» نفسه، فعمدوا إلى تدمير المفهومات العقدية ونشروا على مدى عقود من الزمن رؤى وأفكارا تثير الحيرة وتزيد من الفرقة وتغيب العقل والمنطق وتنسف القواعد الدينية الثابتة؛ فشكك بعضهم في وجود الرسل والرسالات، كما فعل «ابن الراوندي» وغيبوا العقول بفكر التصوف والحلول والغيبة والإمام المختفي والخوارق لآل البيت -رضي الله عنهم- وتثبيت مبدأ استمرار النزاع باسمهم حتى يعود «الإمام الغائب» بما يضمن أبدية الصراع والدم والاقتتال بين العرب والمسلمين، بحيث لا تقوم لهم قائمة. ولئن كنا لا نعجب ممن يطلب ثأرا من الفرس أن يكيد ويحتقن؛ لكن ما يؤلم حقا أن يلهث خلفهم من أبناء العرب من تخدعهم الضلالات الطائفية التي ابتكرت بخبث لشق صف العرب منذ صفين والجمل مرورا بسقوط الأمويين وقيام العباسيين وتآمر البرامكة وظهور القرامطة والحشاشين ثم الصفويين ثم الخمينيين. وليس أقل من أن نصف هؤلاء الطائفيين المخدوعين بأنهم «خونة».