وصف عدد من الموقوفين بسجون المباحث العامة بسجن الحائر جنوب العاصمة الرياض أجنحة برامج إدارة الوقت بأنها خطوة غير مسبوقة في تاريخ السجون في العالم، مؤكدين أن هذا العمل لم يكن متوقعًا، خاصة أن الأفعال التي صدرت من الموقوفين على ذمم قضايا أمنية من تهديد لأمن الوطن والقاطنين على أرضه لم تكن بالسهولة، وتشكِّل خطرًا على البلاد والعباد. وقالوا: الكل يقول إن السجناء يستحقون مقابل أفعالهم عقابًا قاسيًا، ولاسيما أن الموقوفين ارتكبوا أفعالاً وأخطاء بحق أنفسهم ووطنهم ودينهم، لكن قوبل ذلك من قِبل القيادة بالصفح، وإنشاء برامج تعود على النزيل بالنفع لحظة وجوده بالسجن وبعد خروجه. وطبَّقت المديرية العامة للمباحث (إدارة سجن الحائر) خطة جبارة بكل المقاييس؛ إذ إن أجنحة برامج إدارة الوقت ساهمت في تنظيم وقت السجين، وحياته اليومية أصبحت مجدولة، بما يعود عليه بالنفع، سواء بمواصلة دراساته، أو الانخراط في دورات، كالحاسب الآلي واللغة الإنجليزية، وغيرها من دورات عدة، أو المشاركة في المهن الحرفية، كالمشتل والرسم، أو فريق الإذاعة والبرامج التلفزيونية، كلٌّ وفق هواياته، فيما يساهم عدد من الموقوفين في صقل مواهب بعض النزلاء الراغبين في استثمار أوقاتهم بالنفع. «الجزيرة» تجولت داخل سجن المباحث العامة في الحائر لمدة 9 ساعات، وعملت لقاءات صحفية مع عدد من النزلاء، بلغ عددهم أكثر من 30 نزيلاً. في البداية تحدث النزيل (م:ف) قائلاً: أنا سعيد باحتفالي مع أسرتي بعد تخرجي من جامعة الإمام (تخصص شريعة) بتقدير جيد جدًّا؛ إذ قام المسؤولون بسجن الحائر بتحديد وقت للاحتفال مع أسرتي بعد أن تم إعداد احتفالية داخل إحدى الغرف المخصصة لاستقبال الضيوف. وهذا يساهم في مد جسور التواصل مع أسرتي بعد تنظيم إدارة السجن أجنحة برامج إدارة الوقت، التي من بينها مقابلة الأهل والأقارب. مؤكدًا أنه وزملاء له بالسجن قدموا أفكارًا، تم تنفيذها على أرض الواقع من قِبل إدارة السجن؛ إذ إنهم يستقبلون أي فكرة تعود بالنفع على السجين. ومن بين الأفكار التي لم نتوقع أن تتحقق هي إنشاء مشتل على مساحة تقدر ب (10) آلاف متر مربع، يوجد به أعداد متنوعة من الورود والورقيات والخضار، وأنتج خلال الأشهر الثلاثة الماضية أكثر من طنين من المنتجات المتنوعة. وقال موقوف آخر: إن أجنحة برامج إدارة السجن حفزت الموقوفين على التغيُّر بسرعة في بادرة غير مسبوقة؛ إذ إن غالبية السجناء يتسابقون على الانخراط بهذه الأجنحة، وتقديم أفكار متنوعة، من بينها ما تحقق على أرض الواقع، كالإذاعة والتلفزيون؛ إذ إن من شروط الانضمام لذلك هو انتهاج النهج السليم، وهذا سهّل لمن أراد أن ينضم لأجنحة إدارة الوقت. وتحدَّث موقوف ثالث عن تورطه في بيع الأسلحة الرشاشة والمسدسات لعدد من الإرهابيين الذين قاوموا رجال الأمن لحظة نشاط تنظيم القاعدة خلال عام 2003م. وأضاف بأنه تم القبض عليه، وصدر حكم شرعي بسجنه 14 عامًا، وتبقى منها الآن قرابة ثلاث سنوات. مؤكدًا أنه من بين الأشخاص الذين يقطنون في أجنحة برنامج إدارة الوقت، ومن ضمن الأشخاص الذين قدموا أفكارًا، ساهمت في الاستثمار في وقت السجين بما يعود عليه بالنفع. مشيرًا إلى أن السجن ساهم في إعادة قراءة بعض الأفكار، وكيفية أن الإنسان انزلق متأثرًا ومتورطًا بأفكار بعض الدعاة الذين ورَّطوا كثيرًا من الشباب. وبيَّن النزيل (ع:خ) أن إدارة السجن سمحت لنا بالتجول داخل عنابر السجن، والذهاب للمستشفى، والمشاركة في مناشط وبرامج عدة داخل السجن دون وجود حراس السجن؛ إذ تم تنظيم ذلك مع سجناء كُلفوا بإدارة وتحرك السجناء بكل سلاسة وحرفية، كما أن ذلك ساهم في تغيير مفاهيم وأفكار عدة لدى السجناء، وترك انطباعًا غير مسبوق؛ إذ تحققت أشياء عدة، من أبرزها وأهمها مواصلة الدراسات للسجناء، وكذلك المكرمة التي تبناها نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بالسماح للسجناء بمواصلة دراساتهم العليا بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مطالبًا جميع الجامعات بنهج سياسة جامعة الإمام. وفي السياق نفسه، تحدث نزيل آخر بأن السنوات الخمس الماضية داخل سجن الحائر شهدت نقلات غير مسبوقة للأفضل، وأن الشيء الذي أُطلق عليه أنه ترفيه للنزلاء ساهم في سرعة انتهاء الوقت، واستثماره بما يعود بالنفع على السجين. وقال إن أجنحة برنامج إدارة الوقت برنامج مستحدث، يعالج بيئة السجن في أكثر من جانب، ويبدأ بالجوانب الإدارية، وكذلك الجوانب الخدماتية، كما أن المكان الذي يقطن به النزيل شيء مشرف، وهذا لا بد أنه يقابله السجين بالشكر والحمد على أن الموقع ليس على غرار بعض السجون خارج السعودية؛ فبعض السجناء كانوا مسجونين في سجون دول متقدمة، وكانوا يعانون الأمرّين من قسوة عناصر العاملين بالسجن، ووضع السجن من عدم اهتمام بالأكل والمشرب وكذلك العلاج، بعكس سجن الحائر. واصفًا وضع التعامل من قِبل العاملين بالسجن بالتعاون النوعي؛ فهم يعاملوننا وكأننا ضيوف في منازلهم، وليس في عنابر السجن. وقال النزيل إنك تشاهد وتجلس مع مدير إدارة السجن في اليوم أكثر من مرة، ويمكن لك التحدث معه، وطرح ما ترغب فيه من أفكار عليه، ويمكن تحقيقها في وقت وجيز، خاصة من يساهم بطرح فكرة تعود بالنفع على السجناء. وتحدث أحد النزلاء بأن البرنامج في أجنحة برامج إدارة الوقت يبدأ من الساعة التاسعة صباحًا، بدءًا بالتشميس، ثم يتم توزيع السجناء من خلال عدد من المنظمين المسؤولين عن إدارة زملائهم بالسجن، وبعضهم يتجه للنادي، والآخر للمشتل، وكذلك إلى البرامج الأخرى التي تقدر بأكثر من 100 برنامج، تدار بعقول السجناء بسجن الحائر، وبمتابعة وإشراف قطاعات حكومية عدة، أبرزها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامي، وهيئة حقوق الإنسان. فيما يتم تصوير مراحل مهام النزلاء، سواء بالمشتل أو في أي برنامج نفذه النزلاء. مشيرًا إلى أن هناك بعض النزلاء يتجهون لقاعات الدورات الإنجليزية والعربية، وغيرها من البرامج التي تعود بالنفع على السجين. وقال أحد السجناء - ويعمل منظِّمًا في أجنحة إدارة الوقت - إنه يوجد 4 نزلاء متخصصين في الحلاقة، ويقيمون بحلاقة النزلاء وفق جدول، فيما يوجد إقبال عليهم بشكل كبير جدًّا. كذلك توجد مكتبة و(بقالة) تدار من قِبل السجناء ومغسلة ملابس لمن يرغب في أن يغسل ملابسه، إضافة إلى مغسلة كبيرة من متعهد داخل السجن. أما المشتل الزراعي فيبدأ من الساعة ال8 صباحًا حتى الثانية عشرة ظهرًا، ثم العودة لأجنحة إدارة الوقت، والخروج مرة ثانية من الساعة الرابعة عصرًا ولمدة ساعتين. كذلك يوجد مكان مخصص للاتصالات مع ذوي السجناء بمكان مستقل، يمنح المتصل ربع ساعة، ولمدة أربع مرات إلى سبع مرات في الشهر، ووفق ظروف السجناء. وفي السياق نفسه، طلب نزلاء من وسائل الإعلام عكس صورة إيجابية عن السجن والنزلاء، مؤكدين أنهم أخطؤوا في حق أنفسهم قبل أن يخطئوا في حق الدين والوطن والقيادة والشعب، وأنهم نادمون على فعل ذلك، كما أنهم تغيروا، وأصبحوا مواطنين فاعلين؛ بدليل ما يقومون به من أعمال جليلة ومميزة داخل عنابر السجن. أما برنامج الإذاعة والتلفزيون فيوجد به ثلاثة معامل بكامل معداتها، ويوجد بها تقنيات حديثة ومميزة، منها إنارات وكاميرات وأجهزة مونتاج، ويوجد كاميرات للتصوير داخل الاستديو وخارجه وفق الأعمال التي ينفذها السجناء، وتدار من قِبل عدد من الموقوفين. ومن أبرز الأعمال التي تم تنفيذها من قِبل السجناء تسجيل أكثر من 90 مادة متنوعة خلال شهر من الآن، يتم بثها داخل عنابر السجن، ولبعض للزوار. ومن أبرز المواد شيلات ومقابلات مع بعض السجناء (ثقافية وعلمية وشرعية)، وتغطية بعض الدورات التي تنفذها أجنحة برامج إدارة الوقت.