قطعت دولة الكويت شوطاً كبيراً في ممارسة العمل الوقفي، وأصبحت مثالاً يُحتذى وقدوة يؤمها الكثيرون للاستفادة من تجربتها وخبراتها الرائدة الفريدة التي تميّزت بها في هذا المجال. ويكشف ل«الجزيرة» الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف بالكويت الاستاذ/ محمد بن عبد الله الجلاهمة الخبير المتمرّس في ميدان العمل الخيري عموماً، والعمل الوقفي على وجه الخصوص، أسرار النجاح والتميز لدولة الكويت في إحياء سنة الوقف وتنميته واستثماره، والتفاعل المجتمعي الكبير لتحقيق أهدافها الخيّرة. ويؤكّد محمد الجلاهمة أنّ العمل الخيري مطلب وهدف وليس مقصوراً على فئة معيّنة في المجتمع، وأن المرأة أثرت عمل المؤسسات الوقفية الكويتية. كما تناول الحوار مع الاستاذ/ محمد الجلاهمة عددا من القضايا والمناشط المتعلقة بالأوقاف في داخل الكويت وخارجها.. وفيما يلي نصّ اللقاء: * يؤكد الخبراء والمختصون في الأوقاف أن العمل الوقفي في الكويت يعد الأميز في العالم الإسلامي من حيث التنظيم والاستثمار والمنهجية العلمية والعملية فيه. فمن وراء هذا النجاح؟ - سعت دولة الكويت إلى إعادة تفعيل الدور التاريخي الرائد للوقف الإسلامي، وإحياء سنته الحميدة، وتعزيز دوره في رعاية مختلف جوانب الحياة الاجتماعية لكافة فئات المجتمع وشرائحه، وقد شهد العمل الوقفي في الكويت نجاحاً متميزاً، ويمكن أن يعزى نجاحها إلى عدة عوامل نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر التطور التاريخي لإدارة الوقف في دولة الكويت بدءاً من مرحلة الإدارة الأهلية ومروراً بمرحلة الإدارة الحكومية من خلال إنشاء دائرة الأوقاف، ومن ثم صدور الأمر السامي بتنظيم أحكام شرعية خاصة بالأوقاف وهو التشريع الوحيد في الكويت، وتحويل دائرة الأوقاف إلى وزارة حكومية والتي أصبحت تعرف باسم وزارة الأوقاف، وانتهاءً بإنشاء الأمانة العامة للأوقاف بموجب المرسوم الأميري رقم 257 والصادر في 29 جمادى الأولى 1414ه الموافق 13 نوفمبر 1993م كمؤسسة تنموية تسعى إلى النهوض بالوقف، وتجديد الدور التنموي له. وثاني العوامل تتجلى في حسن إنفاق ريع الأصول والأموال الموقوفة لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والتنموية التي يفرزها الواقع بما يراعي تحقيق أعلى عائد تنموي اجتماعي ممكن، وذلك من طرح الأمانة العامة للأوقاف لصناديق ومشروعات وقفية تنموية في صيغ إسلامية للوفاء باحتياجات المجتمع المختلفة، وتعد الإطار الأوسع لممارسة العمل الوقفي وتجربة فريدة تميزت بها الكويت وقطعت شوطاً كبيراً في مجال هذه التجربة وأصبحت مثالاً يحتذى وقدوة يؤمها الكثيرون للاستفادة من خبراتها الرائدة في هذا المجال، وتستهدف منظومة الصناديق والمشروعات الوقفية أغلب ميادين العمل التنموي في مجال رعاية الأسرة، والرعاية الصحية، والرعاية التعليمية، والثقافية، والدعوة والإغاثة. وإلى جانب الصناديق والمشروعات الوقفية تقوم الأمانة بتقديم المنح لمشروعات تنموية خيرية للكثير من المؤسسات الرسمية والأهلية لتساهم في إبراز دور الأمانة في رعاية ودعم مختلف قطاعات المجتمع سواءً داخل الكويت أو خارجها. هذا بالإضافة إلى تنفيذ الأمانة للعديد من المصارف الوقفية الخاصة التقليدية كمصرف الإطعام والعشيات والأضاحي وتسبيل المياه وإفطار الصائم والكسوة وغيرها، وجميع تلك المصارف تصب في مجال رعاية الفئات الضعيفة في المجتمع، ويستفيد من تنفيذها العديد من الأسر المحتاجة والمتعففة من دولة الكويت وخارجها. وثالثها فتتمثل في الإدارة المثلى للأصول والأموال الوقفية واستثمارها، وذلك من خلال تركيز الأمانة على تنمية الأصول الوقفية والمحافظة عليها والحرص على استثمارها من خلال المشروعات التنموية المنتجة التي تخدم الأفراد والمواطنين بمختلف شرائحهم وفئاتهم في المجتمع بما يتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية، وهو ما يتمثل في حرصها على التأني في اختيار الفرص الملائمة والصيغ الاستثمارية التي تهدف إلى تعظيم القدرة على زيارة ريع الوقف والمساهمة في المشروعات الاقتصادية والتنموية مأمونة المخاطر. ورابعها الاهتمام الكبير والمساندة المستمرة التي تحظى بها أنشطة ومشروعات الأمانة العامة للأوقاف من لدن القيادة الرشيدة كرعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله ورعاه - لمسابقة الكويت الكبرى لحفظ القرآن الكريم ومؤتمر التوحد العالمي، ورعاية سمو ولي العهد - حفظه الله - لملتقيات الأمانة السنوية. وهذا الدعم يساهم في تعزيز أداء أنشطة وبرامج الأمانة ويحفز الأمانة على بذل المزيد من العطاء والإبداع في كافة المجالات. أما خامسها فترتكز على تعزيز الشراكة مع الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في العالم الإسلامي بهدف توسيع نطاق عمل الأمانة الجغرافي، وذلك من خلال إبرام اتفاقيات تعاون لتبادل الخبرات والتجارب أو لتمويل مشروعات تنموية تخدم المجتمعات الإسلامية في دولة مقر تلك الجهات، بالإضافة إلى عقد الندوات والدورات التدريبية الخارجية، وهو ما ساهم في إبراز دور الأمانة في إدارة واستثمار الأموال الموقوفة وتنمية المجتمعات على المستوى الدولي والإقليمي. كما ساهمت سياسة التوسع الجغرافي لأنشطتها ومشروعاتها في تكليف دولة الكويت ممثلة بالأمانة العامة للأوقاف بدور الدولة المنسقة للنشاط الوقفي للدول الإسلامية وذلك بموجب قرارات المؤتمر السادس لوزراء الأوقاف بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا في أكتوبر سنة 1997. * أنتم من رواد العمل الخيري في الكويت حيث أسهمتم بالتأسيس والإدارة والعمل الإغاثي الميداني.. هل تعتقدون أنكم حققتم أهدافكم في هذا المجال الخيري؟ - إن العمل الخيري تحديداً ليس مقصوراً على فئة معينة من المجتمع بل هو مطلب وهدف ينبغي أن يقوم به كل فرد مسلم أو غير مسلم بغض النظر عن امتلاكه للقدرات والمهارات الأساسية في هذا المجال باعتباره وسيلة لراحة النفس والشعور بالاعتزاز والفخر عند من يمارس هذا العمل، وقد كان لي - بفضل الله تعالى - الكثير من التجارب في ميدان العمل الخيري، حيث لم يقتصر عملي في هذا المجال داخل الكويت فقط بل امتد ليشمل عدة بلدان عربية وأجنبية كجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين وألبانيا، وهناك الكثير من رجالات العمل الخيري الكويتي الذين افنوا حياتهم في خدمة المحتاجين والفقراء والأفراد المستضعفين في المجتمع، وسخروا طاقاتهم وجهودهم لرفع المعاناة عن المنكوبين وإغاثة الملهوفين وسيبقون مثلاً يحتذى بهم في مجال العمل الخيري، وهو ما يعد دافعاً لي نحو الالتزام بمتابعة العمل الجاد على تحقيق المزيد من الأهداف والطموحات في مجال العمل الخيري بشكل عام بصفتي ممارساً له منذ سنوات عديدة، والعمل الوقفي بشكل خاص بصفتي أميناً عاماً للأمانة العامة للأوقاف، مما يزيد من ثقل المسؤولية لمواصلة المضي في الانخراط في صفوف العمل الخيري والوقفي والعمل على توظيف خبرتي الطويلة لدعم تلك المسيرة المباركة في كافة مجالات الحياة. * نشر الثقافة الوقفية مطلب ملح لتصحيح النظرة القاصرة حول مجالات الأوقاف.. ماذا عملتم تجاه ذلك؟ - لقد أبرزت الأمانة العامة للأوقاف دورها في مجال نشر الثقافة الوقفية من خلال ملتقاها السنوي الثالث والعشرين الذي أقيم تحت شعار «تعزيز الروح الإسلامية بالثقافة الوقفية» وما تضمنه من محاور ساهمت في تعريف المجتمع بإنجازاتها في هذا المجال، وقد تنوعت محاور الملتقى التي استعرضت المشروعات الوقفية التي أنشأتها الأمانة والتي تحمل في طياتها أبعاداً ثقافية وتنموية في آن واحد ذات، وأبرزت دورها في تمويل المشروعات الثقافية والنشاطات العلمية والبحثية المقدمة من جهات حكومية وأهلية من خلال اتباع منهج الشراكة المجتمعية الذي تنتهجه الأمانة في تدعيم ونشر الثقافة بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى استعراضها لمشروعات الدولة المنسقة التي أنجزتها الأمانة العامة للأوقاف ضمن جهود الدولة، تعبر جميعها عن الطابع الثقافي الإسلامي الوقفي وتساهم في نشر الثقافة الوقفية لدى المجتمعات الإسلامية، كما تم خلال فعاليات الملتقى استعراض تجارب وخبرات عدد من المؤسسات الوقفية في دول العالم في مجال نشر ثقافة الوقف والتعريف به. * للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أثر كبير في الاستثمار الوقفي وتنميته.. ماذا تحقق في هذا الشأن لدى الأمانة العامة للأوقاف؟ - يمارس الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في التعريف بأنشطة ومشروعات الأمانة العامة للأوقاف ومجالات عملها سواءً التنموية أو الاستثمارية، حيث نفذت الأمانة العديد من الحملات الإعلامية، وأنشأت موقعاً الكترونياً بها، واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن تلك الأنشطة والمشروعات وللتواصل مع كافة فئات المجتمع لبيان دور الأمانة في تنمية المجتمع وتلبية احتياجاتهم المختلفة وتنمية الموارد الوقفية، وتسعى الأمانة من خلال أنشطتها الإعلامية المتنوعة إلى استقطاب الأوقاف الجديدة وواقفين جدد يساهمون في تعظيم الأصول والأموال الوقفية وبالتالي زيادة العوائد الاستثمارية والذي سوف ينعكس بإيجابية وفاعلية على تمكين الوقف في دعم برامج التنمية والنهضة الشاملة في دولة الكويت الحبيبة. * ما دور الأمانة العامة للأوقاف في تعزيز دور الكويت كدولة منسقة للوقف على مستوى العالم الإسلامي؟ - إن العمل الدؤوب من قبل الأمانة العامة للأوقاف في مجال إدارة الأوقاف واستثمارها وصرف ريعها في شتى مجالات العمل الخيري أثمر بفضل الله تعالى ومنته، بجعل دولة الكويت تحظى بدور الدولة المنسقة لجهود الدول الإسلامية في مجال الوقف بموجب قرار المؤتمر السادس لوزراء أوقاف الدول الإسلامية الذي انعقد بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا عام 1997م. ومنذ ذلك الوقت تضاعف جهود الأمانة وساهمت من خلال التنسيق والتعاون مع العديد من الجهات والمؤسسات الوقفية في دول العالم الإسلامي في تنفيذ عدة مشروعات وقفية تهدف بشكل عام إلى التعريف بالوقف ونشر ثقافته، حتى وصلت مشروعات الدولة المنسقة إلى سبعة عشر مشروعاً، والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: مشروع كشافات أدبيات الأوقاف، مشروع تنمية الدراسات والبحوث الوقفية، ومشروع بنك المعلومات الوقفية، ومشروع تدريب العاملين في مجال الوقف، ومشروع إصدار دورية دولية للوقف «مجلة أوقاف»، ومشروع منتدى قضايا الوقف الفقهية، ومشروع مكنز الوقف، ومشروع القانون الاسترشادي للوقف، ومشروع قاموس مصطلحات الوقف، ومشروع معجم تراجم أعلام الوقف، ومشروع أطلس الأوقاف في العالم الإسلامي. * بصراحة من خلال خبراتكم وتجاربكم في المجال الوقفي. ما هو السر وراء تأخر إحياء سنة الوقف في دول العالم الإسلامي؟ - ان التحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية ترتبط على نحو كبير بالتحديات التي يواجهها نظام الوقف، فهناك العديد من الدول الإسلامية التي تواجه ظروفاً سياسية وتحديات صعبة سواءً معيشية أو طائفية تمنعها من ممارسة الدور الجليل المتمثل في إحياء سنة الوقف وتفعيل دوره في تنمية المجتمع، كما أن عدم وعي المجتمع في عدد من الدول الإسلامية بفكرة الوقف وأهدافه سأهم بشكل كبير في تأخر إحياء سنة الوقف في تلك الدول. ولله الحمد كان للمجتمع الكويتي والقيادة الرشيدة لدولة الكويت منذ القدم الدور الكبير في إحياء سنة الوقف وممارسة دوره في تنمية المجتمع وهو ما نشهده من خلال قراءتنا للمراحل التاريخية لتطور إدارة الوقف في دولة الكويت. * هناك علاقة تبادلية بين المرأة والوقف.. كيف استطاعت الأمانة العامة للأوقاف ترسيخها في المجتمع الكويتي؟ - أولت الأمانة العامة للأوقاف منذ نشأتها اهتماماً كبيراً بالمرأة، وسعت إلى تشجيعها على الانخراط أو ممارسة العمل الوقفي، وقد عززت هذا الاهتمام بتنظيمها لملتقاها السنوي الثاني عشر تحت شعار: «المرأة والوقف.. اشراقات مضيئة» والذي أقيم برعاية سامية من لدن حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله ورعاه - تقديراً من الأمانة للدور الإيجابي التي قامت به الواقفة الكويتية لإثراء عمل المؤسسات الوقفية الكويتية ودورها الفاعل في إحياء سنة الوقف الحميدة وتفعيل دوره في تحقيق التنمية الشاملة، حيث تم خلال فعاليات الملتقى استعراض اسهامات المرأة الكويتية في الوقف بالإضافة إلى إقامة محاضرات وورش عمل حول التجارب الوقفية للمرأة الكويتية والإسلامية، كما تم تكريم عدد من الواقفات والشخصيات النسائية المتميزة في العمل الخيري والتطوعي. * ما الجديد لديكم ولم يعلن بعد؟ - تسعى الأمانة العامة للأوقاف بشكل دائم إلى تطوير عملها وزيادة حجم نشاطها ومشروعاتها في مجال الوقف واستثماره وتنميته وصرف ريعه من خلال طرحها لمشروعات جديدة تواكب الاحتياجات المستجدة للمجتمع على الصعيدين المحلي والدولي، فعلى الصعيد المحلي هناك العديد من المشروعات قيد الدراسة في مجالات الصحة والتعليم والتي سيتم الإعلان عنها لاحقاً بعد الانتهاء من دراسة جدواها، أما على الصعيد الدولي فجار دراسة مبادرة إنشاء مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث العلمية والثقافية في مجال الوقف، يهدف بشكل رئيسي إلى تلبية حاجات الجهات الرسمية والأهلية والمؤسسات والشخصيات العامة العاملة في مجال العمل الوقفي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من الدراسات والبحوث العلمية والثقافية التخصصية في مجال الوقف، وتدريب وتأهيل العاملين والمتطوعين في تلك الجهات والمؤسسات بما يتواكب والتطورات المستحدثة في عالم الإدارة.