الفقر يكتسح العالم، والفجوة بين الأغنياء والفقراء تتزايد في كل مكان!! هذا ما تَنَبَّه له أخيراً صندوق النقد الدولي، بل إن السيدة كريستين لاجارد المدير العام للصندوق اعتبرت أن الصندوق لم يُعْطِ هذه المشكلة حقها من الاهتمام، وقالت في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا مؤخراً إن الصندوق "يتحول الآن بشكل كامل نحو التعامل مع مشكلة عدم المساواة ويدرسها". بالطبع لم يُعرف عن صندوق النقد الدولي اهتمامه بمشاكل الفقراء فهو منحاز، بنيوياً، إلى الأغنياء وقد كانت سياساته في معظم الأوقات ضارة بالفقراء. لكن منظمة أوكسفام الشهيرة، وهي المنظمة المهتمة بمكافحة الفقر كانت دائماً تحذر من تفاقم مشكلة الفقر في العالم وبذلت جهوداً كبيرة لدراسة المشكلة وقدمت مساعدات للفقراء والمحتاجين واللاجئين والمُهَجَّرين وكان لفقراء العالم العربي والإسلامي نصيبٌ من اهتمام المنظمة. في نفس المنتدى وفي المناسبة ذاتها، ذكرت منظمة أوكسفام البريطانية الدولية أن ثمانية أشخاص يملكون ثروة تعادل ما يملكه حوالي 3.6 مليار إنسان، أي أن هؤلاء المليارديرات الثمانية يملكون ثروة تعادل الثروة التي يمتلكها نصف سكان العالم!! هؤلاء المليارديرات معروفون وهم على كل لسان، مثل بيل جيتس مؤسس ما يكروسوفت الذي تبلغ ثروته 75 مليار دولار ومارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك الذي تبلغ ثروته 45 مليار دولار ولاري إليسون مؤسس أوراكل الذي تبلغ ثروته 44 مليار دولار. لا أحد يشك في عبقرية هؤلاء المليارديرات الثمانية، ولا أحد يشك بفضل أناس مثل بيل جيتس ولاري إليسون على البشرية وتأثيرهم في مسيرة الحضارة من خلال ابتكاراتهم في مجال الكمبيوتر والبرمجيات وهي المبتكرات التي سهَّلت حياة الناس وأسهمت في تقدم العالم؛ لكن المقلق هو أنه على الرغم من التقدم العلمي النظري والتطبيقي الهائل الذي حدث في جميع المجالات إلا أن الفقر والمرض وسوء الحال والتهميش الفادح والمشكلات المعيشية المأساوية التي يعاني منها مليارات البشر في العالم مازالت قائمة حتى أن هناك بشراً في بعض البلدان لم تتغير حياتهم كثيراً عما كانت عليه حياة أسلافهم منذ عشرات وربما مئات السنين!! لن تتمكن البشرية من اقتلاع الفقر بشكل كامل، وسيظل الفقر موجوداً ما وُجِد البشر؛ وسيكون هناك تفاوت في دخل الناس دائماً، لكن اللافت هو ظاهرة ازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء وهو ما يؤثر على استقرار المجتمعات وسلامها الاجتماعي. هذا الأمر يجب أن نتنبه له كثيراً في مجتمعنا ونحن في خضم التحول الاقتصادي الكبير الذي بدأناه والذي نتمنى أن يحقق الآمال، فالفقر هو مفتاح كل الشرور، ولذلك قال الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حسب العبارة المنسوبة له: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".