من الصعب فهم الخطوة العُمانية في قرار المشاركة في التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، والذي تأسس بمبادرة من حكومة المملكة العربية السعودية دون دراسة عميقة لماهية السياسة العُمانية منذ تولى جلالة السلطان قابوس بن سعيد الحكم في عُمان عام (1970م)، حيث كانت عُمان في حينها دولة متواضعة الموارد ضعيفة التنمية، بل إن بنيتها التحتية التي تتيح الحد الأدنى من التنمية كانت شبه معدومة، لذا كانت أوليات جلالة السلطان هي بناء تلك البنية التحتية في ثلاثة مجالات رئيسة، التعليم والصحة والنقل، ولذا سخّر السياسة العُمانية الخارجية لجلب كل ما يحقق طموحاته في بناء عُمان جديد، وحيث كانت تلك المجالب تأتي من دول عدة بعضها تتنازع فيما بينها، فقد مارسَ السلطان قابوس سياسة الحياد تنزهاً عن الخوض في الخلافات البينية بين تلك الدول التي قد تشتت جهوده في جلب مزيد من الدعم لخطة بناء عُمان وحفاظاً على الود الدافع لمزيد من مساهمة تلك الدول في بناء عُمان الحديث. لذا عندما قاطعت كافة الدول العربية نظام الرئيس الراحل أنور السادات عند زيارته للقدس ثم توقيع اتفاقية (كامب ديفيد) عام 1979م، لم تفعل ذلك عمان، بل أبقت علاقاتها متوازنة مع كافة الدول العربية ومحيطها الجغرافي. بلا شك عُمان ليست سويسرا، فتركيبة سويسرا الديموغراغية والجغرافية وتاريخها الاقتصادي والمعتمد على كونها دولة حياد عبرت به حربين عالميتين دون أن تتخلى عنه، أمر لا يتوفر لعُمان، ولكن وبلا شك فقد حافظ السلطان قابوس على حيادية نسبية جعلت عُمان في معتزل عن كثير من القضايا التي آلمت بالمنطقة، مع ذلك لم تجد عُمان خياراً أفضل من الانضمام كمؤسس وشريك في مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وكانت فاعلة في كل المؤسسات المنبثقة منه ومتريثة أحياناً في كثير من الاتفاقيات أو الترتيبات مثل (العملة الخليجية الموحدة)، ولكن السلطنة على الرغم من حياديتها المعهودة كانت من أكثر دول الخليج العربي حماساً لبناء (قوة درع الجزيرة)، بل إن جلالة السلطان قابوس طالب بعد اجتياح الكويت من قِبل القوات العراقية بزيادة عدد أفراد قواد درع الجزيرة إلى (100) ألف جندي وتجهيزهم بكافة الأسلحة. لذا فحياد عُمان هو حياد براغماتي تفرضه المصلحة العمانية المباشرة والآنية، فلم يكن حياداً يمثّل في حد ذاته هدفاً إستراتيجياً، بل هو وسيلة لتحقيق الواقع الأمثل لعُمان وحدها، لذا كان كثيرٌ من النقاد يحتار في وصف السياسة العمانية تجاه محيطها سواءً الخليجي أو العربي، ويرى كثيرون أنها تسير بنفس الاتجاه الذي تسير به دول مجلس التعاون ولكنها تسير منفردة لوحدها. انضمام عُمان للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، هو خطوة جديدة ومحمودة لعُمان لترك السير المنفرد والالتمام مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي في سبيل تعزيز العمل المشترك لبناء وحدة إقليمية قوية التكوين السياسي والاقتصادي والعسكري، فدول الخليج العربي عموماً تواجه تحديات تنموية كبيرة، بل إن كل دول شبه جزيرة العرب، وهذا يشمل اليمن هي مهددة بمخاطر آنية مناجزة ومخاطر محتملة في المستقبل تستلزم العمل المشترك وخصوصاً في مواجهة الإرهاب والذي بات يتشكل في عدة صور تهدد أمن المنطقة برمتها وتعيق الاستثمار وتسيء لسمعة الأمة العربية والإسلامية. أنا، وكثير غيري من مواطني دول مجلس التعاون نرحب ونسعد بهذه الخطوة العُمانية المجيدة، ونرى فيها حكمة وحنكة عمانية تقليدية، فعُمان تكتنز تاريخاً سياسياً ونضالياً في مواجهة الاستعمار جعلها ذات يوم دولة يُهاب جانبها ويحسب لأساطيلها البحرية حسابات تليق بها، ففي عُمان تربت قياداتها على الصبر والدراية والحكمة والحسابات الدقيقة، فعرفوا متى يحجمون ومتى يتريثون ومتى يقدمون، وهم الآن بلا شك مقدمون بعد تريث وليس إحجاماً، مقدمون على دور يليق بعُمان القيادة وعُمان الشعب وعُمان الدولة، ولا شك أن لهذه الخطوة المباركة بواعث وجهود استثارتها بصدق الشعور والمسؤولية، تلك همة ودهاء وصبر وإصرار بذلها صاحب المجد التليد والسمو العتيد ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، شاب يفيض حماساً ونخوة لنصرة الأمة ورفع علمها عالياً في كل محفل، أدام الله جهوده في ظل أسد العرب وحامي حماهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أدام الله سلطانه، وساعده الأيمن صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز أدم الله عزه وسجاياه الطيبة.