عدا عن حالات قليلة، جرت العادة أن يكون التفكير بصوت مسموع، عن مدى عدالة نظام الانتخابات الأمريكي، أي استخدام نظام المجمع الانتخابي، بدلاً من الانتخاب المباشر، شأناً غير ذي بال. هذا، ولكن فوز المرشح دونالد ترمب بالرئاسة، بسبب هذا النظام تحديداً، رغم أن هيلاري كلينتون فازت بالتصويت الشعبي، بما يناهز الثلاثة ملايين صوت، جعل كثيراً من الأمريكيين، وبتشجيع من وسائل الإعلام، وبعض النخب اليسارية، يتحدثون عن هذا النظام الديمقراطي العجيب، والفريد، الذي يتجاوز عمره القرنين من الزمان، بل يطالبون بتغييره، وخصوصاً أن هذه هي المرة الثانية، خلال ستة عشر عاماً، التي يخسر فيها المرشح، الفائز بالتصويت الشعبي الفوز بالرئاسة، فقبل هيلاري كلينتون، خسر المرشح الديمقراطي، آل قور، أمام جورج بوش الابن، في عام 2000، رغم أن الأول كان هو الفائز بالتصويت الشعبي، وغني عن القول إن بوش الابن فاز بتلك الانتخابات بقرار من المحكمة العليا، وليس بالتصويت الشعبي، ولا حتى بأصوات المجمع الانتخابي! تاريخياً، كانت هناك محاولات لتغيير نظام المجمع الانتخابي، المختلف عن أي نظام ديمقراطي آخر، في هذا العالم الواسع، كما كانت هناك اتهامات تطال الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، بأنهم اعتمدوا هذا النظام الفريد، حتى لا تفلت السلطة من أبناء الجنوب الأمريكي، الذي ينتمون إليه، لأن نظام التصويت الشعبي، أي التصويت المباشر للمرشح، كان يصب في صالح الشمال الأمريكي، المكتظ سكانياً، مقارنة بالجنوب، حيث الأرقاء السود، والذين لم يكن مسموحاً لهم بالتصويت، ولكن لم تفلح كل هذه المحاولات، وبقيت مجرد ذكريات تاريخية، ولا يزال نظام المجمع الانتخابي صامداً، حتى يومنا هذا! هذه الأيام، هناك حراك شعبي واسع، مدعوم من بعض النخب، يهدف لتغيير نظام المجمع الانتخابي، وقد شاهدنا كيف تظاهرت الجموع الغفيرة، يوم الاثنين، التاسع عشر من ديسمبر الماضي، في عواصم كل الولايات الخمسين، وذلك في محاولة لإقناع أعضاء المجمع الانتخابي، بعدم منح أصواتهم لدونالد ترمب، وهي المحاولات التي لم يكتب لها النجاح، وتم اعتماد فوز ترمب رسمياً، ورغم المحاولات الكثيرة، على مدى أكثر من مائتي سنة، لإلغاء نظام المجمع الانتخابي، وفشلها جميعا، إلا أن هناك محاولة واحدة، كاد أن يكتب لها النجاح، وقد حدثت قبل حوالي نصف قرن، وسنتحدث عنها في المقال القادم.