للخير أناس يحبهم ويحبونه، سيماهم الخير، عملهم في الخير وللخير، يسعون له ويدلون عليه ويمكنون له دون تصنع أو تكلف، مع ابتسامة رضى وبشاشة محيا ولطيف عبارة ودماثة خلق وصدق منطق وسلامة قلب، ذلكم أبا عبدالعزيز المهندس على العرف -المديرالعام للجمعيات والمؤسسات والمراكز بوزارة العمل والتنميةالاجتماعية- الذي رحل عن دنيانا وهو في أوج حماسته وعطائه وتأثيره... رحل وفي الذاكرة مواقف محفورة لا تنسى، وفي القلب محبة لن يمحوها فراق. رحل عنا فجأة في يوم كان في صباحه وليلته يخطط لتطوير عمل وإصلاح مسيرة وبناء قيادات.. عمل إلى آخر صباح كان فيه من أهل هذه الدنيا.. نحدث بعضنا بعد رحيله ما آخر رسالة أو بريد أو مكالمة.. فيأتي الجواب بأنها لإعداد ورشة العمل لنمذجة مراكز التنمية، والآخر لإعداد لقاء مناقشة لائحة مراكز الضيافة، والثالث لتأسيس جمعية أهلية، والرابع لإعداد تقرير، والخامس يقول بلغتني صباح السبت رسالة يقول فيها اعتذر لي من أبو أحمد فلا أستطيع الحضور لمنتدى تطوير القطاع غير الربحي الذي بقي إلى آخر ليلة من حياته يعد لبعض فعاليته ويخطط لها ويتابع أعمالها. لم يبلغني اعتذاره إلا بعد نبأ وفاته وهي إرادة الله ومشيئته وقضاؤه وقدره أن يرحل عن الدنيا من يرتاح الناس برحيله ومن يرتاح هو برحيله عن دنيا الناس بأثر جميل وذكرى طيبة وأياد بيضاء وسماحة في العطاء.. ذلكم أبا عبدالعزيز رحمه الله رحمة الأبرار... كنت وإياه لا نزور أهلينا إلا في نهاية الأسبوع فيتجه للقصيم وأتجه للمنطقة الشرقية وما كان حديث العمل ينقطع. أصحبه في السابعة بمكالمة أو هو يصبحني لإنجاز مهام الناس وتيسير أعمالهم، نصلي المغرب وربما العشاء في ديوان الوزارة، ونتهاتف بعدها فلا يقطعنا إلا سويعات النوم في ليل ننتظر بزوغ فجره لنباشر العمل. طريق البر من الرياض إلى القصيم وكذلك إلى الدمام لو تكلم لشهد على حديث تطوير وتحفيز وتمكين وإنجاز، وكذا صباح الجمعة أشاوره ويشاورني وننجز ما ضاق الأسبوع عن إنجازه بحجة أن الأهل والأبناء في نوم وراحة. واليوم يمر الصباح تلو الصباح والجمعة تليها الجمعة والطريق الطويل براً تقطعه الذكريات والدعوات أن يفسح الله له في قبره وأن يريه مقعده من الجنة وأن يتقبل منه وأن يعفو عنه. أحبَ العمل الخيري وخدم فيه فأحبه الخيرون ووثقوا به، كسب قلوب زملائه وثقتهم واحترامهم. أحدثه في كل يوم عن سرعة الإنجاز وضرورته فيؤكد عليه ويقول يا أبا أحمد أنا أبني مع الإنجاز ثقة وقدرات، وأحدث تغييرا وتمكينا وقيادات، فكان لزملائه نعم الأخ والصديق والمعلم والقائد، ينسب الإنجاز لهم لا لنفسه، ويطلب التحفيز لهم دون ذاته، ويحتفي بالمجموع في ترفع عن الأنا، وها هم اليوم يردون له جميل صنيعه ذكراً حسناً ودعوات مباركة وطلباً للرحمة كلما ذكر اسمه أو لاح في الخيال ذكره. يجمعنا قبل رحيله بليلتين ليودع المتقاعدين من زملائنا ويكرّم المترقين ويشكر الباذلين المحسنين من قضوا في خدمة الوزارة سنين طويلة، شكرهم وأثنى عليهم واستسمح منهم وطيب خواطرهم فما علموا ولا علمنا أنه لقاء الوداع والفراق وما أطيبه من لقاء وما أجمله من وداع فرحمة الله عليه. لقد أراد الله -عز وجل- أن تصادف وفاة المهندس العرف -رحمه الله تعالى- اليوم الأول لمنتدى القطاع غير الربحي، في تجمّع عفويٍ للفيف من المهتمين بالقطاع غير الربحي أتوا من كل مناطق هذا البلد المعطاء، يتذاكرون مناقبه ويدعون له ويترحمون عليه، ويتبادلون التعازي في فقده المفاجئ، ويذكرون مسيرة الخير التي ابتدأها وبصمة العطاء التي لا تُمحى في الانطلاقة التي يعيشها هذا القطاع من الرعوية والمحدودية إلى التنموية والتأثير. ورغم ألم الفراق وحزن القلب وفقدان العضيد، إلا أنني أجد في سيرته وبشاشته ودماثة خُلقه وثناء الناس عليه وآثاره الحسنة سلوةً تعينني على التصبّر في هذا المصاب الجلل. ولأهل بيته أقول طاب أبا عبدالعزيز حياً وميتاً وطبتم أنتم من سند وعضد فقد احتسبتم وقتاً قضاه في الخير وعمل الخير وبناء قطاع الخير، فبوركت عطاءاتكم وجمعكم الله به في فردوس أعلى يذكركم وتذكرونه بما كنتم عليه من عون في الدنيا، كان بإذن الله رفعة في الآخرة -ولا أزكي على الله أحدا- وأقول لعبدالعزيز أبشر بوالدك الذي عُرف بالخير وحب الخير، وذكر بالخير والدعوة إلى الخير وفتح أبواب الخير فسر على خطاه محيياً ذكراه، فأنت بذرته الحسنة ونباته الباقي منه. ولأهل القطاع الخيري ورواده وقياداته لا تنسوه من صالح دعاء وصدقة جارية وفاءً له وتحفيزاً لمن يسير على دربه. وعزائي لذويه وأهله وأقربائه، سائلاً المولى الكريم أن يجازيه عن خدمته لدينه ووطنه ومجتمعه خير الجزاء، وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يعوضنا والقطاع الخيري خيراً. د. سالم بن أحمد الديني - وكيل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية