شهد الخميس إعلان المملكة العربية السعودية عن أولى ميزانياتها في العهد الجديد للإصلاح الاقتصادي حيث تعد الميزانية الأولى للمملكة بعد إطلاق الخطة الاستراتيجية للبلاد الرؤية 2030 وكذلك الأولى بعد إطلاق برنامج التحول الوطني، وكلاهما يهدفان إلى إعادة هيكلة الإيرادات الحكومية لتكون غير مرتكزة على جهة واحدة، وهي في حالتنا هذه النفط، إلى التنوع الاقتصادي واستثمار مكامن البلاد الكثيرة سواء كان ذلك جغرافيا أو موارد طبيعية وحتى عبر الترشيد في الاستهلاك والإنفاق. خلال كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أمام مجلس الشورى جدد ثقته في برنامجي الرؤية والتحول الوطني، كما عرج حفظه الله على حرص الدولة على تجنيب أبنائها كثيراً من الآثار المترتبة على إعادة الهيكلة هذه قدر المستطاع إلا أننا جميعا نعلم أن الإصلاح والتغيير يتطلبان إجراءات لابد من وقوعها مثل ما حصل خلال العام 2016 خفض الدعم على كثير من الخدمات المدعومة من الدولة والذي سيتكرر هذا العام وطوال فترة تطبيق برنامج التحول الوطني و وصوله للأهداف، ورغم ذلك فالفرق هنا عما كان سابقا في خلق برامج داعمة لتقليل الآثار المترتبة على هذه الإصلاحات. اتسم بيان الميزانية للدولة بملامح ترسم نهجا من الشفافية والمكاشفة والوضوح وذلك منذ أن بدأ ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لقاءاته بالكتاب والشخصيات الاجتماعية والعامة شارحا ومناقشا لهم حول خطة البلاد واستراتيجياتها في طريق التحول وتحقيق أهداف الرؤية مرورا بالدور الهام الذي لعبته وزارة المالية عبر برامج التواصل الاجتماعي في تسهيل وشرح وتعريف المصطلحات المالية المرفقة في الميزانية؛ لتمكين أكبر قدر ممكن من المواطنين استيعاب البيان والأحداث المؤثرة فيه مثل الدين العام، الإيرادات النفطية وغير النفطية، متوسط الميزانية، الناتج المحلي الإجمالي وأضاف إلى ما اعتدنا عليه الحوكمة وهذا نهج جديد يدعم الشفافية والمحاسبة. اقتصاديا شكل بيان الميزانية تفصيلا واضحا لحجم الدين المتوقع للعام القادم 2017 وإن كان برقم تقريبا عند 120 مليار ريال إلى أن وضعه للجميع وخصوصا المستثمرين، المصارف والجمهور يمكنك من قياس هذا الرقم المستهدف على المعروض النقدي والسيولة المتاحة لدى المصارف وأيضا فإن شركات الاستثمار وسط نية المالية إدراج أدوات الدين للسوق ستتمكن من قياس الفرصة أمامها لخلق منتجات استثمار جديدة. أما على صعيد الإنفاق الحكومي للعام القادم فمن المطمئن محافظة الدولة على نفس الوتيرة من الإنفاق كوننا لا زلنا في بداية الطريق نحو التنوع في الدخل والتنويع الاقتصادي فبقاء الإنفاق في نطاق 900 مليار ريال سيضمن استمرار دوران عجلة الاقتصاد وتحقيق النمو المستهدف خصوصا وأننا لا زلنا اقتصاديا محكومين بالإنفاق الحكومي كمصدر رئيس للمحافظة على الاقتصاد. أخيرا وعلى مستوى الدين العام فلازالت البلاد والحمد لله تتمتع بحجم دين منخفض إلى ناتجها الإجمالي ولا خطر يهدد تصنيفها الائتماني أو تكاليف خدمة الدين في هذه المرحلة وسط الترحيب بالخطوات الإصلاحية القائمة.