اللغة ليست أداة للتخاطب والتفاهم فحسب، بل هي أحد المقومات الرئيسة التي تُكوّن عقلية الأمة وفكرها وشخصيتها، وتحقق وحدتها، وتترجم عن ملامحها ومعالمها وهويتها، وتعبر عن أحوالها وأسرارها ودقائقها، ولعل المفكر الألماني «فخته» عبر عن هذا بقوله: «إن اللغة هي الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان». اللغة مظهر معبر عن حقيقة الأمة بكل ما فيها من أفكار وخصائص ومعتقدات وتاريخ، وكلما دقت تراكيبها دلت على قدرات أهلها، وكثرةُ مشتقاتها تدل على غناها وسعتها. «فالعرب ولغتهم امتزاجٌ حضاري حقيقي، لا يفصل بينهما فاصل، ولا يحول دون تفاعلهما حائل يثبت ذلك معتقد، ويوطّده محيط، وتؤكده بيئة. واللغة العربية فيها صورة العرب كاملة، منها تعرف طباعهم، وبها تميز خلقهم، ومن خلالها تحكم على عاداتهم وتفهم تقاليدهم، وتقدر اتجاههم. هي ديوان مفصل واضح لكل ما يخصهم وعن كل ما يعنيهم. ولأنها كذلك فقد اهتموا بها، والتفتوا إليها، وغاروا عليها، لأنها تنقل أفكارهم صادقة أمينة بينهم وبين غيرهم كما يريدون، وبالصفة التي يختارون» اللغة العربية لغة السعة والثراء والغنى، يدل عليها عدد الألفاظ المستعملة. بينما نجد غيرها من اللغات الأوروبية لا يبلغ عدد مفرداتها معشار ما بلغته مفردات العربية. اللغة العربية لغة اشتقاقية تقوم على أبواب الفعل الثلاثي. ولذلك فإن خزائنها من المفردات يمكن أن تزداد دائماً، لأن الاشتقاق يسهل إيجاد صيغ جديدة من الجذور القديمة للفصحى طرق عديدة في وضع المصطلحات، أهمها «الارتجال، والقلب، والاشتقاق، والنحت والتعريب». قال الإمام الشافعي - رحمه الله - عن سعة العربية: «ولسان العربية أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظًا، والعلم باللغة عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل اللغة». والعجب ممن يشكو من فقر اللغة وعجزها عن تلبية مستحدثات العصر ومواكبة التطور العلمي الهائل.