تبقى أقل من ثلاثة أسابيع على ختام موسم الانتخابات الرئاسية، وهي ليست انتخابات رئاسية وحسب، وإن كانت الرئاسة أهمها، بل حفلة كبرى، سينتخب فيها ثلت أعضاء مجلس الشيوخ، وكل أعضاء مجلس النواب، وعدد لا بأس به من حكام الولايات، والآلاف من عمداء المدن، ومسؤولي المقاطعات، والقضاة، فضلاً عن برلمانات الولايات الخمسين، وما زال نجم المشهد في كل ذلك هو دونالد ترمب، لا لتميزه، بل لغرابة أطواره وتقليعاته التي لا تنتهي، فهو دخل السياسة من بابها الخلفي، وأحدث ثورة ستحكي عنها الأجيال، وقد أضفت شخصيته النرجسية، وسلوكه الشخصي المشين، وعنصريته بعداً لم يعهده التاريخ السياسي لأمريكا، إذ لا يمكن أن يمر يوم واحد، دون مفاجأة جديدة، من هذا الثري، الذي ورث المال عن والده، ثم توهم أنه عصامي صنع ثروته بنفسه، رغم أن كل تعاملاته التجارية، التي كشف الإعلام عن بعضها، تدل على أنه محتال يتقنع بالبدلة الأنيقة، ويحظى بدعم وحماية من أرباب النفوذ. بعد كشف فضائح ترمب، توصل إلى قناعة أن الدولة العميقة تحاربه ولا تريده رئيسا، فسخر كل خطبه في حملاته الانتخابية للهجوم على الجميع، عدا أنصاره المخلصين، الذين يستنصر بهم ضد القوى التي لا تريده رئيساً، فهو يتحدث عن مؤامرة، وعن تزوير في الانتخابات، وغني عن القول إن معظم أتباعه من أنصاف المتعلمين، الذين يتوقع أن تصدر منهم أعمال شغب، في حال خسارته معركة الرئاسة، وأظن جازماً أنه يعلم ذلك، بل ويشجع عليه، فهو نرجسي وأناني إلى حد المرض، ومهووس بنفسه، لدرجة أنه يعتقد أن العالم يتمحور حوله، ومثل هذه الشخصيات لا يمكن أن تتقبل الهزيمة، وقد نشرت لقاءات لبعض أتباعه، وهم يهددون ويتوعدون، في حال خسر مرشحهم، كما تم إحراق أحد مقار الحزب الديمقراطي، في ولاية شمال كارولينا، ولا يراودني شك في أن المباحث الفيدرالية تراقب الأمر عن قرب، وترصد ما يدور وراء الأبواب المغلقة في حملة ترمب. لقد بلغ التوتر حده الأقصى، بين ترمب، وحزبه الجمهوري، وصل درجة أن أنصاره في أحد التجمعات، في ولاية وسكانسن، أخذوا يهتفون ضد رئيس مجلس النواب،الجمهوري بول راين، رغم أن السيد راين يمثل ذات الولاية في الكونجرس، كما بلغ هجوم ترمب أشده، ضد عضو مجلس الشيوخ المحترم، الجمهوري جون مكين، علما أن مكين بطل حرب، وبرلماني بارز، ومرشح رئاسي سابق، وما يثير الحنق على ترمب، هو أنه تهجم على جون مكين، معيرا إياه بأنه تم أسره في حرب فيتنام، رغم أن ترمب تهرب من ذات الحرب، مستغلاً نفوذ والده، ورغم أن مكين محارب، وصاحب مبادئ، رفض أن يطلق سراحه من الأسر، واشترط أن يطلق سراح زملائه معه، ولذا بقي في الأسر مدة طويلة، والسيناتور مكين ينتمي لعائلة عسكرية شهيرة، فوالده وجده كلاهما من جنرالات الجيش الأمريكي، فمن يكون هذا الثري المتعجرف ليهاجمه، ويحاول أن يحط من شأنه؟! ترمب هذه الأيام مثل الفريق الكروي، الذي يلزمه الفوز، وإلا سوف يهبط للدرجة التالية، ولذا تبدو تصرفاته انتحارية، وآخر التقليعات أن زوجته صمتت دهراً، ثم نطقت كفراً دفاعاً عنه، فقد اتهمت المذيع بيلي بوش بأنه هو الذي أثار زوجها، ليتحدث بتلك اللغة الخليعة، في الشريط الفضيحة، علماً أن ترمب قال ذلك الكلام البذيء، وهو في الستين من عمره، وحينها كان بيلي بوش في الثلاثين، فأي شخصية هو دونالد ترمب، الذي يرغب في أن يصل لزعامة العالم، ويتحكم بالزر النووي، وهو الذي يتأثر بمذيع في مثل عمر أبنائه، وأتوقع مزيداً من الإثارة، في مسيرة الانتخابات، فلنتابعها سوياً!