مع انتهاء حكومة المملكة من إصدار سندات دولية مقومة بالدولار الأمريكي لأول مرة في تاريخها تمكنت خلاله من جذب مبلغ ضخم فاق كل التوقعات ناهز 67 مليار دولار أمريكي أجبر الحكومة على أن ترفع قيمة الإصدار من 10 مليارات دولار إلى 17,5 مليار دولار. يجب أن نتفق أولاً أن لهذا الإصدار الكثير من الفوائد للاقتصاد السعودي، ومن أهم هذه الفوائد تنويع مصادر التمويل الحكومي (بعيداً عن سحب الاحتياطيات) و توزيع الالتزامات المالية الحكومية على فترات زمنية طويلة و جذب سيولة أجنبية جديدة تدعم الاقتصاد، والأهم من كل ما سبق هو التكامل الاقتصادي مع الدول المتقدمة لتكون مصالحها الاقتصادية مرتبطة مباشرة مع مصالحنا الاقتصادية. على الرغم من النتائج الرائعة لتغطية الإصدار بنحو أربعة أضعاف قيمته و التي تعكس ثقة المستثمرين الدوليين باقتصاد المملكة و بقدرتها على سداد التزاماتها المالية خلال 30 سنة، إلا أن هناك بعض الأمور المقلقة لأي اقتصادي يجب التنبه لها من الآن، ومن ضمنها أن التسعير كان مرتفعاً بنحو 30-50 نقطة أساس على جميع الشرائح الزمنية الثلاث بالمقارنة مع تسعير سندات في دول خليجية شقيقة تم إصدارها خلال هذا العام وبنفس الشرائح الثلاث أيضاً، مع الأخذ في الاعتبار تشابه درجة المخاطرة لاقتصاد المملكة مع درجة المخاطرة في اقتصادات هذه الدول الخليجية، على الأقل من منظور التقييم السيادي للمملكة والذي أعلنت عنه مؤسسة فيتش قبل الإصدار بأيام قليلة !! هنا يجب أن لا ننسى أن تكلفة خدمة الدين لهذا الإصدار تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار تمثل نسبة متوسطة تزيد عن 17 بالمئة من القيمة الاسمية لكامل الإصدار البالغة 17,5 مليار دولار (في ظل ثبات المتغيرات الخارجية طبعاً)، بينما يعاني الاقتصاد السعودي من عائد سلبي لمضاعف الإنفاق الحكومي، وهذا بدوره يدل على ضرورة تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي خلال السنوات القادمة لتحقيق الاستفادة من السيولة الجديدة، يضاف إلى ذلك أن الاتجاه العام للفوائد على الدولار الأمريكي في المستقبل هي للارتفاع، مما يعني أن تكلفة هذا الإصدار أو أي إصدارات أخرى لاحقة بالدولار قد تكون مكلفة جداً على حكومة المملكة مستقبلاً نتيجة لظروف خارجية يصعب التحكم بها. من الأمور المقلقة أيضاً أن تسعير الإصدار الأخير اعتمد على تسعير سندات الخزانة الأمريكية بينما هناك مخاوف من وجود فقاعة في أسعار سندات الحكومة الامريكية قد تهبط بقيمتها (و بالتالي ترفع من عوائدها) و هو ما أجبر أكبر المديرين الماليين في السنوات الأخيرة على ضخ ما يعادل 18 تريليون دولار في سندات لدول أخرى تعطي فائدة سلبية فقط للابتعاد عن سندات الخزانة الأمريكية وإن كلفهم ذلك خسارة جزء من رأس المال !! و لا ندري حقيقة لماذا لم يتم التسعير مثلاً بفائدة ثابتة أو ربطه بتسعير اللايبور كما تفعل دول ناشئة أخرى لها خبرة كبيرة في مثل هذه الإصدارات (كالأرجنتين و البرازيل) مع إصرارها على التسعير بالفائدة الثابتة؟. وحتى نفهم خطورة ربط تسعير السندات السعودية بتسعير سندات الخزينة الأمريكية، فلنفترض أن حكومة الولاياتالمتحدة تعثرت مستقبلاً عن سداد سنداتها او سداد خدمة الدين عليها لأي سبب من الأسباب حيث إن ذلك سيهبط بقيمة السندات الأمريكية و سيرفع من عوائدها، مما يعني ارتفاعاً تلقائياً لتكلفة السندات السعودية بحكم أنها ذات قيمة متغيرة مرتبطة بتسعير السندات الأمريكية بدلاً من اللايبور!! و حتى لو ربط البعض التسعير بوجود استثمارات لحكومة المملكة في السندات الأمريكية، ففي حال تعثر الحكومة الامريكية عن سداد التزاماتها فإن الضرر على حكومة المملكة سيكون مزدوجاً في هذه الحالة والله أعلم !!!