قبل نحو ثلاث سنوات استبشر الوسط التجاري ورجال الأعمال في المملكة خيراً بصدور «نظام التحكيم» تحت مظلة وزارة التجارة على اعتبار أنه سيكون البديل المناسب للفصل في القضايا ذات الطابع التجاري (والمعقد أحياناً) بدلاً من المحاكم التجارية ذات الطابع البيروقراطي، على الرغم مما يتضمنه «التحكيم» من تكاليف مرتفعة نسبياً، إلا أن هذه التكاليف لن تعني شيئاً لكلا الطرفين المتنازعين أمام سرعة الفصل في هذه القضايا، حيث إن أهمية العامل الزمني في سرعة الفصل ستتفوق كثيراً على التكاليف مهما بلغت، وهذا هو جوهر «التحكيم» في كل مكان من العالم. قبل أسبوعين من الآن وتحديداً بتاريخ 2 أكتوبر 2016م، أعلنت كل من شركتي اتحاد اتصالات (موبايلي) وزين السعودية على موقع «تداول» إعلاناً موحداً حول تحكيم النزاع القائم بينهما والمتعلق بالمبالغ التي تطالب بها شركة موبايلي على شركة زين السعودية لقاء الخدمات المقدمة من شركة موبايلي منذ سنوات سابقة والتي بلغت قيمتها 2,2 مليار ريال، حيث قررت هيئة التحكيم أخيراً قفل باب المرافعة وحجز القضية للنظر والدراسة ثم أخبرت الطرفين بأنه سيتم إشعارهما بموعد النطق بالحكم في وقت لاحق، حيث يبدو لنا الآن أن موعد النطق بقرار التحكيم النهائي أصبح قريباً جداً !!! وحتى نفهم تسلسل الأحداث جيداً، يجب أن نضع في الحسبان أن بداية التحكيم كانت بتاريخ 2 ديسمبر 2014م عندما أعلنت شركة موبايلي رسمياً طلبها اللجوء للتحكيم في هذا النزاع، وهو ما يمثل اختباراً أولياً وحقيقياً لجدوى التحكيم التجاري في المملكة بالمقارنة مع المحاكم الشرعية التي كانت ولا زالت تواجه انتقادات عنيفة بسبب تأخير إصدار الأحكام القضائية الابتدائية لسنوات طويلة (ناهيك عن تأخير الأحكام الاستئنافية) وبالتالي إلحاق الضرر بأطراف النزاع، حيث كانت التوقعات تشير إلى أن موعد النطق بقرار التحكيم النهائي لن يستغرق أكثر من سنة واحدة على أسوأ تقدير مما يعني توقع صدوره نهاية عام 2015م !! إلا أن المؤسف أننا نقترب من مرور نحو سنتين على بدء التحكيم في هذا النزاع دون صدور أي قرار تحكيم، وهو ما يعني تساؤلا لتجربة التحكيم في المملكة مع أول اختبار لها، وما يدلل على هذا التساؤل هو عدد الجلسات التي انعقدت والمهل التي تم منحها لأطراف النزاع لتقديم المذكرات (والتي تجاوزت في بعضها الحد الأقصى المسموح به عند 30 يوماً) وعدد المذكرات التي تم تقديمها وتعيين خبير مالي منذ أكثر من سنة، وأخيراً وهو الأهم احترافية الأطراف المتنازعة كونهما شركتين مساهمتين محترمتين تملكان سجلات ومستندات واضحة تسهل من مهمة أي لجنة أو هيئة تحكيم متخصصة في هذا النوع من النزاعات. ولا أدري حقيقة كيف سيكون مستقبل «التحكيم التجاري» في المملكة مستقبلاً مع حالات أكثر تعقيداً وأقل احترافية من هذا النزاع، وأعتقد شخصياً أنه في حال استمرار حال «التحكيم» على هذا الحال أو أسوأ فإن اللجوء إلى المحاكم الشرعية في المملكة أو لجان تحكيم خارج المملكة (في الإمارات أو البحرين مثلاً) ستكون مع الأسف الشديد خيارات جديرة بالاهتمام، خصوصاً وأن من سيقرر ذلك هم الأطراف المتنازعة رغبة منهم بحسمها في أسرع وقت ممكن، بدليل لجوء بعض الشركات السعودية مؤخراً لتوقيع اتفاقيات نصت على أنه في حال وجود نزاعات فسيكون التحكيم في دول خليجية شقيقة!!.