بريطانيا تعود إلى الواجهة الدولية من بوابة خروجها من الاتحاد الأوروبي، حديث رئيسة الوزراء تيريزا ماي الذي حددت فيه موعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي في مارس 2017م ترافق مع حديث ماي لصحيفة صنداي تايمز إنها ستتعهد بأن تجعل بريطانيا «دولة ذات سيادة ومستقلة» بإلغاء القانون الذي ضم بريطانيا للاتحاد الأوروبي العام المقبل، أي أنها ستلغي القانون الصادر في 1972م المعروف ب (قانون المجتمعات الأوروبية). ترى ماي أن استعادة السيادة البرلمانية البريطانية واستعادة السيطرة على ملف الهجرة هي ركائز (الانفصال) البريطاني عن الاتحاد الأوروبي وهذا هو ما يضع النقاط الكاملة حول (الاستقلال الثاني) للمملكة المتحدة، إذن نحن أمام بريطانيا مختلفة عن تلك المألوفة خاصة التي انخرطت في مشروع أوروبا الواحدة، وهذا ما يفسر النبرة الوطنية - العالية - في لهجة تيريزا ماي للشعب البريطاني. التساؤل المطروح بعد هذه التطورات اللافتة: هل ترغب بريطانيا حقاً القطيعة التامة والسريعة والتشدد في مسألة الهجرة والخروج من السوق المشتركة؟ ولماذا لا يترك الباب نصف مفتوح أمام المهاجرين الأوروبيين على الأقل؟ يمكننا في هذا التوقيت أن نَصف الخطاب العالي للسيدة ماي أنه يأتي في سياق الاستعداد لمعركة المفاوضات مع بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، أما إلى أي مدى يمكن ذلك فهذه مسألة أخرى. تعيش تيريزا ماي فترة جيدة، فتمساك الاقتصاد البريطاني بعد قرار الانفصال يعزِّز ثقتها في الأداء السياسي، كما أن تخبطات حزب العمال المعارض الذي تمزّقه الخلافات الداخلية وأزمة قيادة لم يحلها تماماً انتخاب جيريمي كوربن رئيساً للحزب، بل إن فرصة مواتية للسيدة البريطانية القوية أن تطلب انتخابات مبكرة دون الانتظار حتى 2020م ففرص المحافظين تبدو مواتية لتلقين العمال ضربة سياسية جديدة. لا ينازع رئيسة الوزراء البريطانية في ذلك أحد، لا الخصوم المعارضون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولا دول الاتحاد السبع والعشرين، ولا حتى البرلمان البريطاني بمجلسيه العموم واللوردات، تؤكّد ماي أن الرجوع إلى الوراء والبكاء على الأطلال لن يجدي بريطانيا ولا مواطنيها نفعاً، فقرار الخروج اختاره الناخبون البريطانيون ويجب احترامه، ويستوي في ذلك السياسي والقانوني والمشرّع. تحديد طبيعة العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي سيكون وفقاً لما تمليه مصلحة بريطانيا، أي أنه وفقاً لروح استفتاء يونيو 2016م، أي الحفاظ على مصلحتها الاقتصادية مع الاتحاد بشرط التحكم في الهجرة من أوروبا إلى بريطانيا، والسيطرة على حدودها، فالعلاقة المستقبلية مع الاتحاد لن تكون وفقاً لنموذج أوروبي معين أو أسترالي أو غيره، ولكن ستكون عبارة عن اتفاق بين بريطانيا والاتحاد وفقاً لما تقتضيه المصلحة. بريطانيا تذهب نحو الانفصال أو الاستقلال الثاني عبارات ستلهم الشعب في بريطانيا، وستدفع بالروح الوطنية عند الشعوب التي ترى في بريطانيا إمبراطورية (لم) تغب عنها الشمس وأن ما مرت به المملكة المتحدة كان مجرد سحابة غطت شمس التاج البريطاني، هذه الشحنة من الألفاظ ستجد سياقها في كثير من عواصم أوروبا وستهدد القارة العجوز التي عليها أن تتوافق مع بريطانيا مختلفة تقودها امرأة صلبة لاستقلال ثانٍ.