عندما يريد إي قائد أن يدخل لأفكار وعقائد وأرواح الجماهير, عادة يتّبع عدّة طرق وأساليب,اثبت التاريخ جدواها، منها أسلوب التأكيد أو أسلوب التكرار أو أسلوب العدوى، وعندما يتعلّق الأمر بالسيطرة والقيادة على جمهور غفير من الناس،فأن القائد عادة يحتاج إلى محرضات سريعة وجاهزة للسيطرة واحتواء الوضع ولا اقدر وانفع من نموذج أنساني عظيم يمتلك سحر خاص يسمّى « الهيبة الشخصية» لقد افرد الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابة الشهير «سيكولوجية الجماهير» قسم خاص بموضوع الهيبة الشخصية وافرد لها شرح مهم ودراسة عن أهمية تواجدها في القائد المؤثر . يذكر إن في الحالة الجماهيرية تنخفض الطاقة على التفكير، ويذوب المغاير في المتجانس، بينما تطغى الخصائص التي تصدر عن اللاوعي. وأن الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلا واحداً، من دون أن تتحمّل مناقشتها. وما يقوله لها الزعماء يغزو عقولها سريعاً فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملاً، ويرى «غوستاف لوبون» بأن الجماهير تغلب عليها العاطفة لا العقلانية ولذلك فإنها لا تتفاعل مع المجادلات العقلية بل تتوق إلى من يوقد فيها الحماس عبر الشعارات والعبارات الرنانة. ويذهب «لوبون» إلى تقرير فرضية مخيفة بأن الجماهير لا تزيح القائد نظراً لاستبداده السياسي، وإنما تفعل ذلك لأنه لم يعد في نظرها قوياً أو قادراً على بث روح الحماسة فيها. كان نابليون في ذروة مجدة يمتلك هيبة شخصية هائلة، فعندما كان جنرالا مهملاً، أرسل في مهمة من اجل حماية قيادة الجيش في ايطاليا، فسقط في أحضان جنرالات أقوياء ومستبدين لسحق هذا الدخيل الشاب بينهم، لكن منذ اللقاء الأول وبدون أن ينطق نابليون بكلمة واحدة سقطوا تحت سحر هيبته وروّضهم بحسب شهادات المعاصرين له في تلك الحقبة . الهيبة تشتمل فعلاً على بعض العواطف كالإعجاب والخوف، وهما يشكلان أحيانا أساسها وقاعدتها ولكن أيضا يمكن أن تحدث الهيبة بدونها والدليل أن هنالك بعض الشخصيات العظيمة الراحلة، لكن مازالت هيبتها في القلوب، وكمثال نبينا محمد صلى الله علية وسلم،ورَّثه الله الهيبة، فكان كل من رآه ولو من بعيد يهاب أن يقترب منه ويخاف أن يؤذيه , ومازالت هيبته إلى وقتنا الحالي في القلوب لم تغيّرها القرون. يذكر التاريخ انه لما حضر عمرو بن العاص الوفاة وهو القائد الفذ المحنك قال لابنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: لقد حدثت أمور أريد أن أحكيها لك، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حربه، وما كان أحد أحب إلىَّ منه وكنت أتمنى أن يقبضني الله على ذلك الحال، مع أنى ما استطعت أن أنظر إليه ببصري قط من شدة هيبته، فعمرو بن العاص القائد الفذ لم يستطع عمره مع رسول الله أن يثبت بصره في وجهه الشريف من شدة هيبة رسول الله، هذه الهيبة كانت تُلقى الرعب في قلوب أعداءه. إن الهيبة عبارة عن نوع من الجاذبية التي يمارسها فرد على روحنا وقد تكون عمل أدبي أو عقيدة، وهذه الجاذبية الساحرة تملأ روحنا بالدهشة والاحترام، إن الهيبة هي أساس كل هيمنة، وكما كل شي يمكن أن تكون هيبة مكتسبة كتلك التي تجئ عن طريق اسم العائلة أو ثروة أو شهرة، أما الهيبة الشخصية تشكّل شي فردي متعايش قد يكون مدعوم من خلال المال والشهرة والمجد لكنه قادر تماماً على التواجد بشكل مستقل . إن الهيبة المكتسبة والاصطناعية أكثر انتشاراً، فيكفي أن يحتل فرد منصب أو يمتلك ثروة أو يحصل على الألقاب حتى يصبح مكللاً بهالة من الهيبة حتى لو كانت قيمته الأصلية منعدمة، فالبذلة العسكرية ولبس القضاة في القرون القديمة مع الشعر المستعار كانت تضفي هيبة لأصحابها. إن للأفكار هيبة أيضاً فالأعمال الفنية العظيمة والمخزون الأدبي والشعري العالمي،يحصل على هيبته وقيمته، فالإنسان دائماً ما يحتاج للأفكار الجاهزة الغير مسموح لأحد المساس بحتميتها لما لها من هيبة تاريخية..