تحتفل المملكة بيومها الوطني المجيد؛ الذي أنعم فيه الله عليها بالأمن والخير والاستقرار. حب الوطن، والتغني به أمر غاية في الأهمية، غير أن المعاني السامية تتجاوز نطاقات الاحتفاء المجرد إلى التبصر بإنجازاته؛ وعطاءاته؛ وإِنسانيته والاعتراف بفضله، بعد فضل الله عزّ وجلّ؛ في شتى المجالات؛ ولعلي أركز اليوم على جهوده الإنسانية والإغاثية؛ التي تزامنت مع اليوم الأول لتوحيده؛ حتى أصبحت المملكة كالشجرة المثمرة وارفة الظل تمد يدها للجميع تقربًا إلى الله؛ وتحملاً لمسؤولياتها تجاه العالم أجمع؛ والعالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص. الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية؛ أكَّد في كلمة ألقاها أمام قمة للاجئين على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة: «إن المملكة العربية السعودية دولة رائدة في الأعمال الإغاثية والمساعدات الإنسانية، وهي من أكبر الدول المانحة في العالم، حيث شملت هذه المساعدات تقديم الدعم للمؤسسات الأممية الدولية، ومساعدات إغاثية وتنموية مباشرة، وصولاً لغايتها وهي العمل لإنسانية بلا حدود». قدمت المملكة أكثر من 139 مليار دولار ضمن جهودها الإغاثية خلال العقود الأربعة الماضية؛ واحتلت المركز الثالث عالميًا من حيث المعونات المقدمة للاجئين؛ الذين لم تميز بينهم؛ بل تعاملت معهم بإنسانية صرفة بعيدة كل البعد عن التصنيفات الدينية والعرقية والطائفية. كانت في مقدم الدول المنقذة لجهود الأممالمتحدة الإغاثية؛ التي عانت بعض برامجها العاجلة؛ من شح التمويل فلم تجد أمامها غير المملكة منقذًا وممولاً؛ بل إنها؛ وفي كثير من الأحيان؛ تحملت كامل موازنات البرامج الإغاثية الموجهة لبعض الدول العربية والإسلامية؛ حيث تحملت مؤخرًا كامل ميزانية برامج الإغاثة الإِنسانية في اليمن وقدمت 500 مليون دولار. تحدث الأمير محمد بن نايف عن أزمة اللاجئين؛ وأرجع أسبابها إلى الصراعات العرقية والحروب والكوارث والنزاعات؛ وأكَّد أن الحل الأمثل لها يكمن في «تكثيف الجهود لحل النزاعات القائمة في العالم بموجب ميثاق الأممالمتحدة، وذلك بتوظيف الدبلوماسية الاستباقية لمنع تفاقم الأزمات وتحولها إلى صراعات عسكرية يتولد عنها أزمات وكوارث إنسانية». فالجهود الإغاثية مهما بلغ حجمها؛ لن تستطيع الصمود أمام التهجير القسري لملايين البشر المضطهدين والمهددين بالقتل والتدمير في أوطانهم. لو لم يتهاون الغرب في معالجة الأزمة السورية حين ظهورها؛ لما نتج عنها تلك الهجرة الجماعية نحو الشرق والغرب. الأمر عينه ينطبق على اليمن التي سمح فيها المجتمع الدولي لانقلابيين مدعومين من الخارج بالسيطرة على البلاد وتهجير اليمنيين من مدنهم وقراهم؛ ووطنهم. تباطأ الغرب في التعامل مع ملف القضية السورية؛ ولم يتحرك إلا بعد أن تعرض لشظاياها المؤلمة. وعلى العكس من ذلك تحملت المملكة مسؤولياتها تجاه الأزمة؛ وتجاه اللاجئين السوريين؛ فدفعت بقوة نحو معالجتها لضمان عودة الأمن والاستقرار؛ وإنهاء معاناة الشعب السوري؛ ووقف تهجيرهم؛ وعودة اللاجئين إلى وطنهم بسلام. ونجحت المملكة في إيواء ما يقرب من 2.5 مليون سوري ودمجهم في المجتمع؛ وسمحت لهم بمزاولة العمل؛ وفتحت قطاعات التعليم لأبنائهم؛ ووفرت لهم العلاج وأنفقت أكثر من 800 مليون دولار على البرامج الإغاثية؛ بخلاف تحملها بناء وتمويل مخيمات اللاجئين في بعض الدول الحاضنة لهم. الأمر عينه ينطبق على الأشقاء اليمنيين الذين أعتبرتهم المملكة زائرين لا لاجئين؛ وقدمت لأكثر من نصف مليون يمني احتضنتهم مناطق المملكة؛ حرية الحركة والعمل والتعليم واستقدام عوائلهم. أكثر من 285 ألف طالب وطالبة تم إلحاقهم بالتعليم العام المجاني مع توفير الخدمات الأساسية لهم. كلمة الأمير محمد بن نايف المستفيضة حول جهود المملكة الإغاثية أمام قمة اللاجئين في الأممالمتحدة؛ وبخاصة سوريا واليمن ستسهم في وقف حملات التجني؛ فالحقائق الدامغة؛ والأرقام الشفافة قادرة على مواجهة الأكاذيب وتفنيد الادعاءات الظالمة. يمكن أن يكون السرد التوثيقي في المحافل الدولية أحد أهم أدوات المواجهة الدبلوماسية والقانونية والإعلامية التي يفترض التركيز عليها في مجتمع يعاني ضعف الذاكرة أحيانًا. وإذا كان توثيق المساعدات الإغاثية الإنسانية من أدوات المواجهة؛ فالتوثيق الميداني للجهود العسكرية من أهم أدوات الحماية المستقبلية من كيد أعداء الأمة؛ واستغلالهم الأعمال النبيلة في إعادة الأمن والاستقرار والشرعية لليمن لأهداف شيطانية. لم يكن أدرج الأمين العام للأمم المتحدة التحالف العربي بقيادة السعودية على اللائحة السوداء للبلدان التي تنتهك حقوق الأطفال؛ قبل إزالته تحت ضغط الحقائق؛ عرضيًا؛ أو نتيجة معلومات خاطئة كما يدعون؛ بل ربما خطط له سلفًا من أجل استثماره لاتخاذ إ جراءات دولية ضد المملكة مستقبلاً. ومن هنا كان التوثيق الميداني لجرائم الحوثيين وصالح من أهم الأدوات التي نحتاج إليها مستقبلاً للرد على اتهاماتهم التي سيتبناها الغرب لا لصحتها؛ بل لتوافقها مع مخططاتهم المشؤومة. توثيق جرائم الحرب التي يرتكبها صالح وجنوده والحوثيون ضد المدنيين والأطفال ومنها؛ استخدام المواقع المدنية المكتظة بالسكان كمخازن للصواريخ البالستية والأسلحة؛ وحاضنة لمنصات الإطلاق؛ واستهدافهم المستشفيات والمدارس وتفجيرها لاتهام التحالف بها؛ إضافة إلى استخدامهم الأطفال كدروع بشرية أو أدوات قتالية بعد تسليحهم التسليح المسوغ لتلقي الضربات؛ ستشكل منظومة دفاعية مكتملة الأركان لأية اتهامات مستقبلية قد يكون صالح والحوثيون مصدرًا لها. التحوط التوثيقي للمستقبل لا يقل أهمية عن الجهود العسكرية التي توشك على الانتهاء. انتهاء الحرب قد يكون تمهيدًا لحرب قضائية لا تقل شراسة عن الحرب الدائرة اليوم؛ ومن الحكمة التحوط لها والاستعداد لمواجهتها بالتوثيق المصور وشهادة اليمنيين أنفسهم من الداخل.