كيف يخون المثقف وطنه بطريقة ترفعه ولا تخفضه، تُعد له نجاحًا مؤزارًا، لا فشلًا ذريعًا دون أن يرف له جفن أو يتحرك فيه ضمير ويستثار ؟ هذا السؤال سألته منذ زمن لمثقف عتيد عنيد، وقته ثمين وإجاباته تحتاج لذهن فطين، عمره تجاوز مجموع عمري مع أعمار كل قارئ يعبر على هذه السطور، ولا أدري إن قضى نحبه أو مازال ينتظر، فوسائل الإعلام تؤمن أن كل الشر يكمن في معرفة العامة لبعض الأمور. أنقل إجابته دون زيادة ولا نقصان كما وردتني منه شخصيًا : «الجواب في غاية البساطة.. يقوم بمسرحية يؤدي فيها دور البطولة المطلقة والدنمو المحرك لبقية الممثلين فيدور الجميع حوله وأثناء الدوران يهبونه هالة لا طاقة للمتفرج البعيد أمامها إلا الرضى عنها بالتصفيق له.» كانت إجابته لا ترضي طموح الفهم، ولا تروي عطشي للوعي بما يدور حولي، ولي رغبة جامحة لانصاف المثقف، فطلبت المزيد من الشرح علّي أستفيد وأتجنب الخيانة الواعية وغير الواعية.فاستجاب لي مشكورًا على شرط أن هذا آخر سؤال لي، وآخر العهد به. «مثلا يقوم بدور مدير أمسية مع مسؤول في البلد_ يكون الرأي العام معلنا الغضب عليه، ويشهد له بالتكاسل واغراق مسؤلياته في بيروقراطية ثقيلة لا طائل منها إلا فقاعة صابون تحمل أضواء ملونة سرعان ماتختفي_ ثم يرسم أهدافه، وبذكاء يبدأ برسم أهداف المسؤول ومالذي يطمح إليه المسؤول ليصل لرضى الناس فيعمل على كيفية اختراق الضوء للظلمة في جوانب عمل المسؤول، ويطفئ الضوء عن بقية الجوانب التي لا يريدها، ويراد للعامة نسيانها وبدء صفحة جديدة، لهذا كان أول اهتمام المثقف بعد هذا _حتى قبل اختيار الأعضاء المشاركين_ التقاطة الكاميرا ومهنية المصور في وضع عين الكاميرا على الوجه ذا التعبير المتناسب مع الأهداف العامة للقاء، بعد هذا كله عليه التأنى في اختيار الأعضاء المشاركين في الحوار وفق معايير دقيقة يجب أن تصب في مصلحة المسؤول، يرسمها بعناية وفي سرية حتى المسؤول نفسه مامن ضرورة لاحاطته بها علمًا، كل هذه العوامل تتضافر مع بعضها لتضفي على الأمسية تألقًا وعلى مدير الأمسية نجومية وعلى المسؤول مصداقية في أداء مهامة بشهادة الإعلام. فيكسب ثقة المسؤول، ورضى المتلقي الظان أن مرحلة جديدة فتحت ذراعيها للجميع دون استثناء» من فرط شغفي نسيت شرط جلالة المثقف وسألته عن معايير الأعضاء التي يجب أن تتوفر في المشاركين، وبلا مبالة أغلق باب الفهم دوني!. وظل باب الفهم مغلقا لسنين طويلة إلى أن وهبتني الحياة والخبرة التراكمية المعايير التي يجب أن تتوافر في المشاركين ولعلك عزيزي القارئ لست بحاجة إلى تعدادها، وإن أبيت إلا معرفتها فسأغلق باب الفهم دونك لتعرفها بمجهود شخصي منك. - نادية السالمي