هل كان الخوف من الوعي أو على الوعي هو الداعي وراء السطحية التي كفّنت البرامج الحوارية في رمضان، فبدت هزيلة الوعي والحوار الهادف؟!. البرامج الحوارية كانت ضدنا، ضد فرض صورة مشرقة تدخل كل بيت شاهد هذه البرامج، التي روّجت للأسف إلى أننا لا نعرف في ميادين الثقافة غير الشعر الشعبي، والدراما المبنية على الموهبة- إن وجدت- البعيدة عن الدراسة، وما بقي من مجالات الثقافة نحن في غياب تام عنها، وبلادنا بلا مفكرين وسياسيين ورواد في علم الاجتماع والأبحاث!. أعلم أن استضافة نجوم الفن والدراما في البرامج الحوارية صفقة مربحة لا بد منها لجذب المشاهد والتسلية وقطف بعض المتعة، لكن الاعتماد عليها واستهلاك البرنامج ووقت المشاهد، وكأن الوطن بلا كوادر.. عجز عن إدارة برنامج ناجح. كنا نطمح بمثل هذه الحوارات إلى رفع الوعي ومستوى الثقافة، وكنا بحاجة ماسة إلى أن تُغير الصورة السيئة التي نُحارَب بها ويُراد الصاقها بنا، كنا نود من خلالها أن تنقل للناس كافة أننا شعب متقدم واع مدرك لمتطلبات المرحلة، يملك كوادر في شتى العلوم والمعارف، كنا نرغب أن يعرف عنا العالم أننا نملك غير النفط والصحراء الشاسعة، ولنا مثقفون نبارز بهم الجهل، قادرون على الدفاع عن الوطن وصنع آفاق ثقافية. وليت الأمور توقفت عند هذا الاستهتار، وهذا الجحود بأهمية البرامج الحوارية وأهمية تسليط الضوء على المثقف السعودي فيها، فحتى اختيار المذيع كان سيئَا، ويعاني من فقر ثقافي وعجز معرفي فاق كل سوء أمام المثقف العربي الذي جاء مستعرضًا بُعده الثقافي ووعيه بتمثيل بلده. كان حريًّا بالقنوات التي تكفّلت بميزانية عالية لهذه البرامج أن تدرب كوادرها وتصطفي أفضلهم، ومن ثم تختار ضيوفًا في شتى مجالات الحياة لتدخل بهؤلاء كل بيت ويرن اسم الضيف في كل أذن سمعت وكل عين شاهدت البرنامج ونهلت من الضيف قبسًا علميًا ومعرفيًا فيترسّخ اسم السعودي والسعودية في كل ذهن، وينجلي ما لحق سمعتنا من أدران بعضها لا يمت للحقيقة بصلة. المثقف مسؤول لا تعترف به المسؤولية إلا وقت الحاجة وأي حاجة أكثر من هذا الوقت الذي نحن فيه، فالوطن في حرب مستمرة تسعى لسلب الوطن كوادره ومقدراته البشرية والمادية، واستمرار هذا السخف لا يرفعنا بل يصغّرنا، أمام واجبنا تجاه وطننا قبل واجبنا تجاه الآخرين، وحتى لا نسأل: لماذا يبدو الشباب عندنا مستهترًا غارقًا في الهزل علينا تجنب البرامج ذات الحوارات الساذجة لنتمكن من صناعة الوعي. - نادية السالمي