ذهب الذين حولها وظلّت وحيدة... لا تكاد تمضي أشهر مع أحدهم حتى يتركها ويذهب عنها بعيداً...! ذهب الحلم وروحها في انتظار قادم يسكت تساؤلاتها وذرى هجسها. يدور البكاء في عينيها، ولا تفصح عن أشيائها إلا لبعض من هم حولها... وقد تبكي أحياناً دون شعور منها... فتربكني وتزيدني وجعاً وتألماً... فيسكنني حزن وكآبة وعذابات كثيرة...! سألتها ذات يوم..! * لماذا يذهب عنك الرجال في الأيام الأولى من زواجكما..؟ * لأنهم كاذبون...! أهرب من شبح فيطل آخر، ولا أشعر إلا وروحي عالقة في شباك أحضانه...! جميعهم لا يملكون ولا يجيدون شيئاً سوى ذلك...! الأخير فقط.. أحببته كثيراً، وكان لا يشبههم... اقتحم بلذة مضايق وجعي ومراراتي المتزايدة...! أحببته وأشفقت عليه... وكان له أعذاره ومسبباته التي جعلته بالنسبة لي روحاً ميتة منسية...! وصرت لا أكترث به ولا أعيره اهتماما...! أخذ كل شيء أهداه لي...! لم أندم أو أتحسرّ على ذلك، فقد وهبته أكثر وأجمل ما لدي..! فقط... كنت مشفقة عليه وما آلت إليه روحه البائسة..! الوحدة تقتلني... تلبسني رغبات ومشاعر أحاول خنقها والانقضاض عليها بوجع ومرارة..! وعناكب الزمن الوحشية تنسج خيوطها وتخطو تجاهي بنهم ولذة... أشيح بوجهي عنها فتلاحقني... أذهب إلى صديقاتي ومن زاملتهن في الدراسة... فأجدهن مثلي.. بل أسوأ كثيراً...! أنتم تبحثون عن أشياء... وأعدادنا تزداد جحيماً وموتاً، وغيركم لا يستطيعون صنع شيء. ماذا إذن ستفعلون...؟! تتعرّى أرواحنا، فنستعفف حياءً وخوفاً، وتتقاذفنا الألسن حرائق ورغبة، وما ملكتم يصنعن القيود للإمساك بكم بشدة وعناية..! أرواحنا تضيق بنا... وليلنا يكحّل أحداقنا بانهمارات الدمع والنجوى... وتكاثف غمام الشوق اللاهج بالأنين والصبر... وأعمارنا تنضح بالمستحيل والنهايات القادمة..! شاحبة سماؤنا... وضوؤنا يرتشف غواية البوح ووشوشات الفجر وتعاويذ المحبة وتراتيل الشجن..! تعانق أسئلتها أوردتي وشرايين دمي، وتكتظ روحي بشتاء ينقش النغم وعذب الترانيم...! عيناي ترى الكون يتسع حلماً وصوراً راعشة باللهفة والظماء..! تسيح شعابي... وتهجس الروح في انتظار وترقب خطى مرتبكة.. وقوافل محمّلة بالبخور والعطر وقنائن المحبة المعتقة بزغاريد الفرح...! شريفة القلب والروح..! لقد آن لجراحنا أن تشفى وحرائقنا أن تنطفئ...! كم أحبك....! أتستطيعين أن....! كيف أوعز لك عقلك بشيء مثل هذا...؟! لماذا...؟! لأنك أخي.