استهل اللواء متقاعد عبد القادر كمال حديثه عن الدكتور عبدالله الصالح العثيمين - رحمه الله - قائلا: اعذروني إذا ترقرق دمعي في الاحتفاء بزميلي العثيمين، و»سأهوم» وأحوم في الحديث عن حبيب صديق، رافقته في الكثير من ذهابه وإيابه، ونهلت من علمه، النمير بحسن الخلق المؤطر بالمحبة وحسن الخلق؛ فالفراق صعب الحديث، وعزاؤنا أن ما عند الله خير وأبقى. وأضاف كمال: ما عساني أن أقول عن شهم نحيل الجسم، غزير العلم، يحمل همَّ وطنه، وأمته الإسلامية، سجلها في قصائده؛ إذ إن في صدره جذوة من وحدة كبرى، عروبي، غناؤه «أنشودة المجد».. فهو المؤرخ الدقيق في تحري الواقع؛ إذ اتخذ بمنهجه الدقيق من الشعر الشعبي مصدرًا؛ لكونه مركز إعلام، ومصدر توثيق، فهو إنسان نمم باح بهواه فأتى عذبًا، ليتغنى مترنما بقضايا أمته: كما رثى كمال - وعيناه تذرفان الدمع - صديقه العثيمين بقصيدة بعنوان: «مهيض جناح» جاء في مطلعها: جاء ذلك خلال الأمسية (التأبينية) التي أقامها نادي الرياض الأدبي الثقافي مساء أمس الأول عن عبدالله الصالح العثيمين - رحمه الله -، والتي أدارها الدكتور عبدالرحمن بن إسماعيل السماعيل، الذي استعرض من جانبه معرفته بالعثيمين، مستحضرًا وقفات من حياة العثيمين، مؤرخًا، وشاعرًا، ومستعرضا قصيدة «عودة الغائب» التي تُعدّ أولى القصائد التي نشرها العثيمين بعد عودته من الدراسة في اسكتلندا عن معشوقته (عنيزة)، التي عارضها ثلاثة من الشعراء: إبراهيم الدامغ، عبدالعزيز المسلم - رحمهما الله - والسماعيل في قصيدته «فرحة العائد». من جانب آخر، وصف الدكتور إبراهيم المطوع حديثه عن العثيمين قائلاً: كلمات أحببت المشاركة بها عن العثيمين في خطرات، متذكرًا شاعرًا غادرنا قبل أيام، إذ ظهر بعد عام 1375ه في عنيزة ضمن مجموعة من الشعراء الذين يصدق على تسميتهم في تلك الفترة ب»شعراء الصحوة» الذين انتقلوا من شعر العلماء إلى شعر الجمال؛ ما جعل من شعره محل تناول من عدد من النقاد؛ إذ كتب عن العثيمين نقاد من المملكة خارجها، ولا يزال شعره بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة. أما عن أهم (ملامح شاعرية) العثيمين فقال المطوع: يمكن استعراضها من خلال دواوينه فيما يأتي: الملمح الأول: بدأ العثيمين شاعرًا، وتوفي شاعرًا، وظل لديه الميول للغة العربية، رغم تخصصه في التاريخ؛ إذ لم يتأثر بتخصصه وانشغاله به مقارنة بغيره من الشعراء. أما الثاني: فإذا قرأت شعره لتبحث عن آلامه وآهاته لا تجد الحديث عن (الأنا) إلا قليلاً؛ إذ حل بدلاً من (الأنا/ العثيمين) ال(هو) و ال(همّ)؛ فحين سُئل عن الهم الذي يشغله؟ أجاب: همي هو همّ الأمة الإسلامية، وفي مقدمتها قضية فلسطين. وثالث الملامح قال عنه المطوع: العثيمين شاعر وجدان، وشاعر هامس؛ إذ إنه ليس شاعر آذان، ولا من شعراء المنابر، فلم يكن مهرولاً نحو الشعر؛ إذ ترك الشعر يأتي إليه؛ فلا يريد أن يكون متباكيًا بالشعر، ولا مفاخرًا به. الرابعة: اتسم شعره كما اتسمت شخصيته بالبساطة والتلقائية، والسهل الممتنع، ولا يجد حرجًا في كتابة الشعر العامي متى ما وجده الأسبق إلى البوح. مؤكدًا في خامس الملامح أن العثيمين مثال حي لصاحب الرسالة. وفي ملمح سابع وصف العثيمين بالروح المسالمة، وبأن العثيمين لم يكن من (الأدعياء) لنفسه بعصامية أو علم. فيما جاءت الدعابة والفكاهة في أسلوب العثيمين الساخر ملمحًا ثامنًا وصولاً إلى آخر ما أورده المطوع من ملامح، الذي وصفه بالتمازج بين مواقفه وما كتبه شعرًا وفكرًا.. مناشد أسرة العثيمين إصدار شعره ما نشر وما لم ينشر في مجموعة (كاملة). أما الزميل الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي، مدير التحرير للشؤون الثقافية بصحيفة الجزيرة، فقد ارتجل مشاركته في الأمسية قائلاً: كتبت عن العثيمين الكثير، وقت صحته، وخلال فترة مرضه، حتى بعد أن انتقل إلى رحمة الله كتبت عنه مطولاً، فلا أريد أن أكرر مكررًا، ولا أستعير ما سبق أن قلت؛ ولذلك سأتحدث في رؤوس أقلام؛ لعلها تلخص (رؤيتي) في هذا العَلَم. فلن أتحدث عنه فقط بصفته شاعرًا، أو كاتبًا، أو مؤرخًا، وإنما بصفته العامة. وفي سياق حديث التركي ضمن رؤيته «العامة» لابن عثيمين قال: أعتقد أن هناك محددات معينة تتصل بشخصية عبدالله العثيمين، أضعها في ثلاثة محددات: الأول (التربة والتربية). أما الثاني (التحدي والاستجابة). فيما يمثل ثالث المحددات (مبدئيته). واصفًا العثيمين في سياق المحدد الأول بقوله: من عرف العثيمين قديمًا ولاحقًا سيجد أن العثيمين يسير على النمط نفسه؛ إذ لم يتغير من حيث انتمائه إلى جذوره، وإلى مواطنته، ومن حيث إيمانه بما يؤمن به؛ ليظل العثيمين مخلصًا لجذوره، ولبذوره، منتميًا إليها حتى مماته. ومضى التركي في هذا السياق قائلاً: التواضع لدى العثيمين يتجاوز السلام والكلام إلى ما يلمسه كل من عرفه في سلوكه، وتعامله، وأدبه؛ إذ لا يعد نفسه رقمًا كبيرًا؛ إذ إنه (مجامل) مجاملة لا تتعارض مع ما يؤمن به من مبادئ، ومع ذلك لا يريد أن يجرح أحدًا. وقد حضرت مجالس، وندوات، أسيء إلى ما يؤمن به في مجال تخصصه، ومحل عناية أفكاره وبحثه، إلا أنني عادة ما أراه منصتًا، صامتًا، والمتواضع الشامخ. أما المحدد الثاني فقد وصفه التركي ب(التحدي والاستجابة) قائلاً: لقد واجه العثيمين تحديات منذ صغره؛ إذ فوجئت عندما قيل لي إنه كان يعمل (دلالاً) في البطحاء؛ إذ بدأ العلامة الشامخ من (تحت الصفر) كما يقال، كما واجه تحديات كثيرة، لم يستسلم أمامها، وإنما صمد، وتجاوزها؛ لينتقل من البيع والشراء إلى مضمار الدرس والتفوق؛ إذ أشهد في هذا الجانب بأن والدي لا يزال مدينًا لعبدالله العثيمين الذي أقنعه بأن يستأنف الدراسة، كما كان يأتي إليه بالكتب، ويتدارسها معه. وقال التركي: فُصل العثيمين مرتين بسبب ما يؤمن به من مبادئ ومواقف، كان مدافعًا عنها؛ إذ كان صاحب استقلالية في الرأي، ومع ذلك لم ييأس، بل واصل مسيرته العلمية؛ لتكون استجابته على قدر التحديات التي واجهته؛ إذ كانت تدفعه، ولم تمنعه؛ إذ كان لديه (جرأة) في العلم، ومن ذلك عندما ذكر أن نجدًا قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم تكن بذلك السوء الذي درسناه.. إذ نسف هذه النظرية التي أخرت طباعة رسالته في الدكتوراه التي لم تطبع إلا قريبًا؛ ليظل العثيمين الرجل الدؤوب الذي مات وهو على رأس العمل. وعن (مبدئية) العثيمين، بوصفها ثالث محددات الملامح العامة للعثيمين، قال التركي: هو صاحب المبدأ، والانتماء لكل القضايا التي كان يحملها همًّا، وفكرًا. فإلى آخر مقالة كتبها العثيمين، وهو يتحدث عن شجون أمته، وشؤونها، متفاعلاً مع أحداثها، التي يأتي في مقدمتها قضية فلسطين، بوصفها محورًا في قضيتنا العربية والإسلامية، مما جعل منه شارا عروبيًّا؛ إذ عاصر العديد من الأحداث العربية وهو لما يتجاوز السادسة عشرة في عنيزة بوصفها الفضاء الاجتماعي التي لم تجعل من (التجارة) الهدف الأساس في مكونها الاجتماعي، إلى جانب ما عاصره العثيمين بعد ذلك من أحداث عربية كبرى، كان لها أثرٌ كبيرٌ في انتمائه العروبي؛ ليظل عروبيًّا إسلاميًّا حتى وفاته. كما استعرض التركي في هذا المحدد العديد من المواقف التي عاشها مع العثيمين داخل المملكة، وفي العديد من البلدان العربية، التي ذكر منها التركي موقفًا في بيروت، قائلاً: رأيت العثيمين والغضب يبدو على ملامح وجهه؛ لأنه وجد في إحدى ورش (مؤسسة الفكر العربي) - وهي التي ينتمي إليها، ويجل رئيسها - يتحدثون فيها باللغة الإنجليزية؛ إذ كان مندهشًا ومتسائلاً: كيف للفكر العربي أن يتناقش شبابه بغير لغته؟! وأضاف التركي: للحديث عن العثيمين خارج المحددات الثلاثة أجد أنني أمام نصين: الأول «عودة الغائب» للعثيمين، نُشر عام 1972م، والآخر لنزار قباني بعنوان «مفكرة عاشق دمشقي»، نُشر عام 1971م، أي أن بينهما عام؛ إذ كان بين النصين تشابه في البحر، والقافية، وبعض الألفاظ؛ إذ بينهما الكثير من التماهي والتعارض ولوعة الاغتراب، وإن كان كما نعلم أن نص نزار أخذ المنحى العربي، ونص العثيمين أخذ البُعد المحلي. وختم التركي حديثه بقصيدة (رثائية) في العثيمين، بعنوان «غيبة العائد» مستحضرًا خلالها فضاءات «عودة الغائب» :