مات الإمريكي بيتر دراكر مؤسس علم الإدارة الحديث وأسطورة الفكر الإداري المعاصر وهو لا يعرف أن ما تنبأ به في منتصف القرن الماضي من أن المعلومة ستصبح العنصر الرابع والأهم من عناصر الإنتاج أصبح حقيقة عملية. وفي القارة الأوربية مات أيضاً القيادي البارز والأكثر شهرة في عصره ونستون تشرشل وهو الآخر لا يعلم أن الأحداث أثبتت ما تنبأ به في منتصف الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي من سيطرة الاقتصاد الإبداعي في القادم من الزمن، عندما ذكر «أنّ إمبرطورية المستقبل ستكون إمبرطورية الفكر». تؤكد الدلائل الإحصائية أن أكبر وأكثر الأعمال تطوراً في العشر سنوات الماضية كانت من نصيب الأعمال الإبداعية والمبادرات الخلاقة التي تعتمد على المعلومة وعلى المعرفة. مايكرو سوفت، قوقل، أبل، سامسونق جلاكسي، ليست إلا أمثلة قليلة من أنشطة نشأت من مبادرين محدودي الإمكانات المادية ولكنهم أغنياء الفكر والإبداع. هذه الشركات الرائدة لم تعمل أكثر من استثمار (البيانات) المتوفرة في البيئة العالمية وتحويلها إلى (معلومات) ذات قيمة مضافة. ومن المتفق عليه أن تلك البيانات متاحة للجميع وبدون مقابل ولا يملكها أحد. ولا تتناقص بالاستخدام كما هو الحال في الثروات الطبيعية الأخرى. ليس هذا هو الأهم وإن كان مهماً ولكن الشيء الذي لا يمكننا تجاهله هو أن تلك الشركات تملك أقوى وأهم سلاح في التاريخ الحديث، أعني المعلومة والمعرفة. وفي ظني أنها ستملك زمام كثير من الأمور في المستقبل سواء أكانت اقتصادية أم أمنية أو اجتماعية....الخ وهذا يعني أن الاستثمار في المعلومة والمعرفة لا يقتصر أثره على التنمية الاقتصادية فقط وإنما يمتد أثره إلى هدف أهم وأسمى من ذلك وهو أمن الوطن واستقراره وحمايته من كيد أعدائه. وباختصار فإنني آمل أن يكون لدينا إستراتيجية وطنية تتضمن مسارين أساسيين ومتزامنين في هذا الصدد: يرتكز المسار الأول على العمل لامتلاك حصص مناسبة في الشركات الإبداعية التي تعمل وتستثمر في صناعة وتوليد المعلومات لتأصيل مبدأ الشراكة معها والإفادة من منتجاتها تحقيقاً للمصلحة الوطنية. بينما يهتم المسار الآخر في دعم الاقتصاد الخلاق على المستوى الوطني واعتباره المرتكز الرئيس لبرامج التنمية الاقتصادية المستقبلية. والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،،