اليوم أحد أيَّام الربيع من مارس، استعد منزلنا لإقامة حفل زفاف أختي إكليل، وبينهم هي.. قررت أن أصنع كعكة الزفاف بنفسي دون أن أشتري شيئاً جاهزاً. عزمت على ذاك بعدما ساورني بعض الأسى والحُزن فأردت التنفيس بطريقة غير ملاحظة. أرسلت أخي ليحضر الأغراض المُكونة للكعكة، وما هي إلا نصف ساعة حتى أحضرت الخادمة الأغراض وكان قد وضع كرت : إلى أختي كادي.. إليك أحضرت عتادي فجودي بلطفك بالودادِ، واصنعِ كيكة اللوز التي أحب. ضحكتُ من كلماته فصنعتُ كما أراد. وأنا أصنعها إِذْ بإعصار يجتاح قلبي فأمطرت عيناي في تلكم الكعكة، ولم أكفكف دموعي، ولم أكف عن البكاء، وما كفكفته من كثير نبعه.! خلطتها وخبزتها ثم جهزت الكريمة المخفوقة وما يُزين بها، إلا ودمعي بين خدي وجفناي. بدأت مراسم الزفاف نزلت أختي بثوبها الأبيض، الكل احتفى بها وبارك لها ودعا لها. فلبست بدوري فستاني الوردي وحملت الكعكة بحذر ولا زالت غصت الحزن في داخلي. صفّق الجميع وتسامروا فقطَّعت الكعكة ثم أكل الحاضرون بصَمت، وكُلٌّ منشغل بذاته. رأيت أختي قد ركَّزت في طَبقها أيما تركيز، قلت ربما أنها أُعجِبت بطعمها كثيراً وأرادت أن تكشف سر الطبيخ.! اِنتهت حفلة الزفاف وأذعن الوقت بانتشار الحضور بعد الشكر والدعوات الصادقة. أتى الأسبوع التالي وهذه المرة أنا التي ستتجه لحفل زفاف إحدى الصديقات، فاِحتَرتُ في ملبسي، فطلبت عِقداً وساعة من أختي مما أفاء الله عليها، لحفلة الغد. أرسلت إلي ما أردت. وما إن حلّ صباح الحفل حتى لبست واستعديت. حَضَرت وأبديت ابتسامة مُتكلفة. فاني جسدي انفصلت عن روحي في تلك اللحظة. نفسي!، شيء ما في داخلها يدب لا تعرف ما سببه، توارت عن الناس، وجلست في أدنى كرسي عند المدخل وأخذت تُحرك عقد اللؤلؤ بكل هدوء وشيء من الضعف يساورها، وألمُ حزنٍ يعتريها غير المُبرر. تمالكت نفسها وقامت برجليها المتهالكين من شدة الوَصب. وما إن أمست حتى لم يَبقَ لديها صبر يقيلها ويرفع جسدها المُتهالك. رَجعت بصعوبة إلى منزلها، فوجدت رسالة من أختها تقول فيها: «أظنك تألقتِ هذا المساء، ما رأيك بعقد اللؤلؤ، هل أعجبك؟. لأنك تُحبين اللؤلؤ منذ كنت بسن المراهقة وهبته لك بالذات». لم ترد عليها، رمت كل ما لبست على الكرسي وأسقطت جسدها على فراشها.. وغطت في سبات عميق. .... ذهبت إكليل إلى شهر العسل ورجعت وأختها لا تزال على فراش المرض، حمى، وزيادة في دقات قلبها... أوشكت أن تكتب كادي الوصية. فدونت رسالة وأزجتها إلى..: « أختي، أنت وحيدتي التي قد أعطيتني أفضل ما كنت أُريد، العقد اللؤلؤي كان مُبهراً، تألقت به ذاك المساء ولم أخلعه عني بتاتاً إلى يومك هذا، أرجوكِ تعالي وعاونيني لأكتب وصيتي أحسست بأن حان لموعدي أن يأون». وما إن وصلت إلى إكليل إِذْ بها تهرول وتقول: ما أغربها، هو منها فكيف تشكرني ثم كيف...؟!. آه منها.. ضرب باب غرفة كادي إِذْ بهم الخدم مع بعض الأرز والإدام. وأمها وراءهم تقرأ بعض الرسائل.. إكليل تباغت المكان متلعثمة بالحديث، وبالكاد تأخذ أنفاسها.. هتفت بعَتَب: ما بالك أخية، أراكِ شاحبة، ثم ما بال الوصية أنت بخير أنت بخ... ثم بكت وعلى مضض وقالت: أنت من فاجأتني بكيكة حفل الزفاف، وقد مُلِئت لؤلؤاً أبيض نقيا، ولأجلي.. فجمعتُ ذاك اللؤلؤ المتناثر بالعقد الذي تلبسين أختي.. قالت الأم بفراسة وحدس مُبهر: إنه ذاته الألم والحزن من الفرح الذي أسكب دمعك على خليط الكعك لينتج لؤلؤاً..! فأني رأيتك ذاك اليوم تهمين، تهمين دمعاً وبجودٍ لأجل إكليل، فأذعن اللؤلؤا وجوده في عينيها دون غيرها من الحاضرين. خلعت كادي العقد وقالت: لا حاجة لي بطوق الحزن ولو كان نتاج فرح.!