ذكرت تقارير صحفية أن وزارة العمل اقترحت على مجلس الشورى زيادة الرسم الإضافي المفروض على توظيف العمالة الأجنبية من 240 ريال شهريا إلى 1000 ريال شهريا، وأن يتم دفع المقابل المالي عن كل وافد بدون استثناء ودون النظر لعدد السعوديين في المنشأة. ورغم ضرورة زيادة تكلفة توظيف العمالة الأجنبية بشكل كبير لكي تتحسن تنافسية العمالة المواطنة في سوق العمل، إلا أنني وفي دراستين علميتين منشورتين كانت الأولى على سوق العمل السعودي والثانية على سوق العمل العماني توصلت في كليهما إلى أنه ليس فقط من غير الممكن تحسين تنافسية العمالة المواطنة في أسواق العمل الخليجية من خلال رفع رسوم توظيف العمالة الأجنبية، وإنما أيضا ستكون هذه الرسوم عبئا ماليا هائلا على وحدات القطاع الخاص تضر بقدرته على النمو في وقت يفترض أن يكون هناك دفع لدور هذا القطاع في عملية التنمية وفي خلق فرص عمل للعمالة المواطنة. وفي محاكاة أجريتها في دراستي عن سوق العمل السعودي افترضت فيها إجراء رفع كبير جداً في رسوم الاستقدام ورسوم الإقامة بحيث تصبح رسوم الاستقدام 10,000 ريال بدلاً من 2,000 ريال، ورسوم الإقامة 12,000 ريال سنوياً بدلاً من 500 ريال، توصلت إلى أن هذا الرفع في رسوم توظيف العمالة الأجنبية على القطاع الخاص سيرفع تكلفتها على القطاع الخاص إلى حوالي 85 مليارا، أي حوالي عشرة أضعاف حجمها حالياً، دون أن ينتج عنه تحسن كبير في جاذبية وتنافسية العمالة المواطنة بصورة تجعل القطاع الخاص أكثر رغبة في توظيفها، وسيترتب عليه في المقابل آثار سلبية هائلة على القطاع الخاص تعصف بكل الجهود المبذولة لتفعيل دوره في الاقتصاد السعودي. فحتى تنجح عملية رفع رسوم توظيف العمالة الأجنبية في تحسين تنافسية العمالة المواطنة بأقل قدر من الزيادة في هذه الرسوم فإنه يلزم تدوير كافة رسوم توظيف العمالة الأجنبية التي يتم تحصيلها إلى القطاع الخاص على شكل إعانة عن كل عامل سعودي يعمل في منشأة خاصة بشرط تجاوز راتبه حداً معيناً، اقترحت في تلك الدراسة أن يكون أربعة آلاف ريال شهريا. أي أن الحد الأدنى لأجور العمالة السعودية في القطاع الخاص سيكون 4,000 ريال في الشهر، إلا أن صاحب العمل لن يتحمل فعليا إلا جزءاً من هذه التكلفة، كونه يحصل على إعانة عن كل موظف سعودي يعمل لديه، وتحدد قيمة هذه الإعانة من خلال قسمة إجمالي رسوم توظيف العمالة الأجنبية التي يتم تحصيلها سنويا على عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص الذين يستحق عنهم إعانة. وفي المحاكاة التي أجريتها في هذه الدراسة نجحت عملية التدوير في أن تساوي بين التكلفة الفعلية لعامل أجنبي راتبه 1,200 ريال وعامل سعودي يبلغ راتبه الشامل 4,000 ريال، وذلك من خلال رفع محدود في رسوم توظيف العمالة الأجنبية زادت معه تكلفة توظيف العامل الأجنبي بنسبة 19% فقط، حصل القطاع الخاص مقابلها على 29 مليار ريال سنوياً على شكل إعانة للسعودة. بالتالي فإن وحدات القطاع الخاص التي تنجح في زيادة نسبة سعودتها قد تحقق في الواقع مكاسب مالية صافية في حال كون المبلغ المدور إليها يزيد عن العبء الإضافي الذي ستتحمله نتيجة ارتفاع ما تدفعه من رسوم لقاء توظيفها لعمالة أجنبية. وقد يتساءل البعض عن الفرق بين هذا المقترح وبين ما يقوم به صندوق الموارد البشرية حاليا من دعم لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص. والواقع أن ما اقترحته كان مختلفاً عما أقره صندوق الموارد البشرية من دعم، فما اقترحته ليس دعما مؤقتا لمدة سنتين يجعل وحدات القطاع الخاص لا ترغب في الاحتفاظ بالموظف بعد انتهاء هذه الفترة وتصبح راغبة باستبداله بموظف جديد مدعوم، كما أنه لا يقتصر فقط على العمالة المواطنة الجديدة التي يتم توظيفها وإنما يشمل كافة العمالة المواطنة في المنشأة التي تكون أجورها في نطاق أجور الدخول إلى سوق العمل، والتي اقترحت أن تكون بين 4,000 ريال إلى 14,000 ريال شهريا. ومع ازدياد عدد السعوديين في القطاع الخاص ترفع رسوم توظيف العمالة الأجنبية تدريجيا والذي إضافة إلى تأمينه موارد إضافية لبرنامج التدوير يضغط لتحقيق مزيد من التحسن في تنافسية العمالة المواطنة مع مرور الوقت، بما يضمن أن تصبح مصلحة القطاع الخاص تتحقق من خلال توظيف العمالة المواطنة بدلاً من توظيف العمالة الأجنبية كما هو الوضع حاليا. من ثم فخيار تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية هو الخيار الوحيد المناسب لدفع القطاع الخاص إلى تبنى جهود التوطين بصورة طوعية بدلاً من كونها قسرية توجد الحافز لدى منشآت القطاع الخاص للتهرب منها والتحايل عليها، ويتحقق ذلك بأقل قدر ممكن من الزيادة في رسوم توظيف العمالة الأجنبية، كما سيشجع ويضطر القطاع الخاص إلى تبني نموذج أعمال يعتمد على استخدام أكثف لرأس المال، ترتفع معه إنتاجية عنصر العمل ونسبة الوظائف عالية المهارة والدخل في الاقتصاد السعودي، ما يجعل فرص العمل المناسبة للعمالة المواطنة تنمو بشكل مستمر.