خلال الشهر الماضي، لم يستطع المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، أن يتحكم بنفسه، فارتكب عدة أخطاء قاتلة، وهي أخطاء كان الحزب الجمهوري، ذاته، ينتظرها بفارغ الصبر، لأن الحزب لا يرغب في ترشحه، وقد تولت آلة الإعلام الأمريكية الشرسة قيادة حملة كبرى ضد ترمب، وللإعلام الأمريكي سطوة مشهودة، في سيرك الانتخابات الطويل، فباستطاعة هذا الإعلام أن يرفع من يريد، ويدمر مستقبل من لا يريد، وقد جاءت نتيجة ذلك في انتخابات ولاية ويسكونسن، يوم الثلاثاء الماضي، فقد خسر ترمب خسارة فادحة، أمام منافسه، تيد كروز، وكروز ليس مرشحا جيدا، وتتركز شعبيته لدى المسيحيين الإنجيليين، أي الصحويين الأمريكيين، إن صحت المقاربة، وهو لا يقل حماقة عن ترمب، ولكنه يغلف ذلك بخبث ومكر شديدين، ولا جدال أن الحزب الجمهوري يدعم كروز حاليا، لأنه الورقة الوحيدة المتاحة لفرملة اكتساح ترمب. في الجانب الديمقراطي، فضلت ولاية ويسكونسن، تلك الولاية الوادعة والجميلة، وسط شرق الولاياتالمتحدة، المرشح الديمقراطي اليساري، برني ساندرز، على منافسته، هيلاري كلينتون، فقد فاز ساندرز، وعرقل انطلاقة هيلاري، ولولا كبار المندوبين، والذين تحدثت عنهم في مقال سابق، لأصبح الفارق ضئيلا بينه وبين هيلاري، ولا زال يشكل خطرا عليها، وفوز ساندرز متوقع، فمدينة ماديسون، في ولاية ويسكونسن، والتي تضم جامعة ويسكونسن العريقة، تعتبر أحد معاقل الليبرالية الأمريكية، والحراك اليساري، منذ الأربعينات الميلادية من القرن الماضي، وهذا يعني أن ويسكونسن خالفت معظم الولايات التي سبق لها التصويت، واختارت المرشحين الأقل حظا بالترشح، أي كروز وساندرز، ولكن مهلا، فالسباق في منتصفه، وبقيت ولايات هامة كبرى، وعدد مندوبوها كبير جدا، مثل ولايتي نيويورك وكاليفورنيا، وستكون انتخابات ولاية نيويورك، في التاسع عشر من ابريل القادم، نقطة هامة، من الممكن أن تزيد في عرقلة ترمب، أو تؤكد اكتساحه، ويقال هذا بالمثل عن كلينتون، فهي تراهن كثيرا على ولاية نيويورك، ولاية المال، والأعمال، ومعقل بعض أهم اللوبيات المتنفذة، ولكن منافسها ساندرز يملك شعبية كبيرة فيها، أيضا . لم يسبق، ومنذ زمن غير قصير، أن أصبحت الانتخابات الأمريكية التمهيدية على هذه الدرجة من الإثارة والتعقيد، فنادرا ما يقف حزب سياسي ضد أحد مرشحيه، مثلما يفعل الحزب الجمهوري ضد ترمب، وبالتالي فإن الفترة القادمة ستكون مثيرة جدا، خصوصا وأن ترمب غاضب، بعد هزيمته في ويسكونسن، ويتوعد بأنه قد يترك الحزب، ويترشح كمستقل، وهو الأمر الذي سيعطي نكهة مميزة لانتخابات الرئاسة القادمة، فلنتابع انتخابات ولاية نيويورك، نظرا لأهميتها، والعدد الكبير لسكانها، ولمندوبيها، فقد تقلب الأمور رأسا على عقب.