ما زالت الأوضاع الاقتصادية للمملكة قوية، وليست سلبية، كما يحاول بعض أن يتصور. والمؤسف أن هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون، لا يملكون المعارف العلمية في التحليل الاقتصادي، ولا يرون إلا الشكليات، فاقتصادنا قوي، ودول أقل مكانة اقتصادية من بلادنا استطاعت تحمل حروب وحصار اقتصادي دام لسنوات، وإيران والعراق وكوريا الشمالية نماذج ماثلة أمامنا، ونحن - ولله الحمد - أفضل من اقتصادات هذه الدول بكثير. هناك فروق كبيرة بين أن نطور اقتصادنا باتجاهات التنوع، وخصخصة بعض المنتجات، وأن نبقي على السيادية منها، وأن يؤدي ذلك إلى تسريع في وتيرة التطوير، والتغيير الاجتماعي والاقتصادي، وصولاً إلى اقتصادات المعرفة، وألاَّ نبقى في اعتمادية على القطاعات النفطية، في ظل هبوط الأسعار، ونحن كاقتصاديين نعلم، بأن الأسعار ستصعد ثانية مع اتفاق الدول المنتجة على خفض سقف الإنتاج، فإنه بمستطاعنا أن نطور اقتصادنا، وعلى مراحل طويلة ضمن خطة إستراتيجية واضحة المعالم. والمملكة استطاعت تحقيق معدلات نمو مرتفعة، ومتميزة في الاقتصاد السعودي من عام 2006م إلى 2015م ارتفع دخل المواطن من 55 ألف ريال إلى 95 ألف ريال، وزاد إجمالي الناتج المحلي من 1.25 تريليون إلى 2.90 تريليون، وانخفض الدين العام من 36% إلى 1.8% بنهاية عام 2014م، وبهذا تكون المملكة من أقل الدول نسبة في الدَين. ولهذا نحن نثق بولي العهد الأمير محمد بن نايف في تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي والخارجي، وبقيادة سمو ولي ولي العهد في قيادة التحول الاقتصادي، وخاصة في مقابلة سموه مع وكالة (بلومبيرج) الاقتصادية، والتي قال فيها إن السعودية تخطط لتنويع مصادر الدخل دون الاعتماد على النفط، وبيع جزء من أرامكو، وتحويل الأموال إلى صندوق سيادي، يمكنه الاستحواذ على حصص في شركات عملاقة في السوقين المحلي والدولي. الملاحظ أن طرح نسبة 5% من شركة أرامكو يعد من الإشكال المثالية، لأن هذا الطرح المتميز يرتبط بشركات تكرير مشتقات النفط، والشركات التابعة لأرامكو، وليس طرح النفط، لأن النفط ملك للدولة، وليس ملكاً لأرامكو تتصرف به، والمقصود من الطرح هو تحويل الأموال إلى صندوق سيادي سبق وأن طالبنا به في عدة مقالات سابقة، والذي من شأنه أن يساعد المملكة على تنوع الاقتصاد ومصادر للدخل. عاصفة التحول الاقتصادي التي يقودها سمو الأمير محمد من خلال مجلس الاقتصاد والتنمية عززت الاقتصاد السعودي، وأدهشت العالم، وقادتنا إلى تنوع مصادر الدخل رغم تراجع أسعار النفط، والحروب، والأزمات التي تمر بها المنطقة، فالاقتصاد العالمي يواجه تحديات كبيرة نتيجة الحروب وتراجع أسعار النفط، إلا أن الاقتصاد السعودي في تطور وازدهار مستمر. والخصخصة حل رائع وسريع إن كانت متوازنة ومنضبطة ومراقبة، ولكن يجب أن يسبق ذلك تطوير التشريعات والقوانين والأنظمة والحوكمة، ومنع الاحتكار وتفعيل الخدمة المجتمعية وضمان الجودة، وعدم سيطرة رأس المال الأجنبي على الاقتصاد المحلي، ويجب أن يبدأ الإصلاح بتأسيس رقابة مستقلة، وصارمة تشرف على كافة مصادر الدخل وأوجه صرفها. وكلنا أمل ألاَّ تسود وجهات نظر طبقة رجال الأعمال على اقتراح السياسات الاقتصادية، لأن نظرتهم وإن كانت تحقق مزايا اقتصادية، إلا أنها ليس نظرة رجل الدولة الذي ينظر للأمور ليس بمنظار مالي فقط، فالمرحلة القادمة تواجه العديد من التحديات الاقتصادية، والتخطيط السليم للمستقبل يجب أن يُبنى على الاستثمار في المواطن السعودي، وتوفير فرص عمل للمواطنين، ومكافحة الفساد، والفاسدين، وتفعيل دور نزاهة في مراقبة المشاريع، والتعيينات في المناصب. وأجزم أن سمو الأمير محمد بن سلمان يحمل مشروعاً وطنياً طموحاً يهدف إلى إعادة هيكلة اقتصاد المملكة، وتطويره بما يجعلني كمواطن أن أكون أكثر ثقة، وتفاؤلاً بإمكانية تحويل ما يطرح اليوم من مشروعات حقيقية على أرض الواقع للمرحلة القادمة، عبر قانون ونظام محلي يضمن احتياجاتنا كمواطنين، ويدعم الكوادر الوطنية المؤهلة بالتعاون مع بيوت الخبرة المحلية وتطوير وتفعيل ثقافة الحقوق والواجبات، وتساوي الفرص بين المواطن البسيط والوزير.