اشتغل الاقتصاديون في العالم خلال الأسابيع الماضي بالحديث عن الصندوق السيادي الذي أعلنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي تبلغ قيمته تريليونا دولار (7.5 تريليون ريال)، وكان منافساً لأهم الأخبار العالمية، بخاصة مع الإعلان عن طرح نسبة من شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام، وهي الشركة الأكبر على مستوى العالم. ويرى الاقتصاديون أن الصندوق السيادي وطرح أسهم في «أرامكو»، ضمن برنامج التحول الاقتصادي السعودي، يبعث على التفاؤل، إذ ستدعم عوائده موازنة الدولة، ويبشر بنمو عوائد ضخمة للموازنة السعودية تحميها من تقلبات أسعار النفط. كما يرون فيه خطوة مهمة في اتجاه بناء اقتصاد وطني حقيقي من خلال رصد 50 في المئة من الصندوق، ما يعادل تريليون دولار للاقتصاد المحلي ممول رئيس للصناعات الأساسية والتحويلية التي يحتاج إليها الاقتصاد المحلي لتوفير التنوع وخلق الفرص الوظيفية التي تشكل هاجساً للمسؤولين في البلاد. كما أن زيادة استثمارات الصندوق الخارجية إلى 50 في المئة، وكان يخصص 5 في المئة فقط للاستثمارات العالمية، سينعكس ذلك على الاقتصاد السعودي، لأن الاستثمارات بالتساوي محلياً وخارجياً بمعدل 50 في المئة لكل منهما، بمعنى تريليون دولار ستستثمر خارجياً يجعل الذراع الاستثماري السعودي تتملك في كبريات الشركات العالمية. وإن أهمية هذا الصندوق تأتي كونه سيحول جزءاً من مداخيل النفط وعائدات تخصيص بعض الأصول، والتي منها الحصة التي ستطرحها الدولة من شركة أرامكو السعودية إلى أصول مُدرّة للدخل، كما وتأتي أهمية هذا الصندوق في تحقيق عدالة توزيع الثروة النفطية عبر الأجيال، وذلك حتى لا يستأثر هذا الجيل بمداخيل النفط والرفاهية على حساب الأجيال المقبلة، وإنما تمتد مداخيله للأجيال التي تأتي بعدنا. وتزداد أهمية الصندوق السيادي العملاق، لأنه ضمن مرحلة تاريخية مهمة، تتسارع فيها وتيرة التغيير بسبب الانهيار الذي تشهده أسعار النفط، والأوضاع السياسية في المنطقة، والنمو السكاني الكبير، والرغبة الملحة لدى القيادة في أن ينجز تحولاً اقتصادياًَ كبيراً في فترة زمنية محددة، وأن تكون معظم الأطروحات التي يتم درسها نفذت خلال الأعوام الأربعة المقبلة، وهو تحدٍ تستطيع الحكومة إنجازه بما تمتلكه من قدرات وإمكانات كبيرتين. ويتوقع أن يصبح صندوق الاستثمارات العامة السعودية، حال تحول ملكية «أرامكو» إليه، أضخم من أكبر ثلاثة صناديق سيادية في العالم حالياً مجتمعة، وهي صندوق التقاعد النروجي «نحو 825 بليون دولار»، وصندوق مجلس أبوظبي للاستثمار «نحو 773 بليون دولار»، وصندوق الاستثمار الصيني «نحو 745 بليون دولار»، البالغ إجمالي أصولها 2.3 تريليون دولار، وسيصبح صندوق الاستثمارات العامة السعودية أكبر صندوق ثروة استثماري في العالم، بأصول تقدر بنحو 2.7 تريليون دولار، بحسب تقارير دولية، مما يملكه القدرة على إحداث تغييرات مؤثرة في الاقتصاد العالمي. وفي الجانب المحلي، كانت الفترة الماضية مليئة بالحركة التي تعتمد على تحقيق الأهداف التي تم الإعلان عنها من تنوع في الاقتصاد وخلق فرص العمل، وجذب المستثمرين، وتطبيق المزيد من المساءلة للجهات التنفيذية في الدولة، وهي أسس في «التحول الوطني»، إذ يرى اقتصاديون سعوديون أن خطوات كبيرة تم اتخاذها في مجال التخطيط لانطلاقة أكثر حرصاً للاقتصاد، تراعي الظروف الراهنة، وفي مقدمها انهيار أسعار النفط والتبعات التي أحدثها، إضافة إلى تحقيق رغبة الحكومة في عمل ترشيد كبير في الإنفاق العام، ستستكمل على مراحل تنفيذ «التحول الوطني». كما يعول كثيراً على تأثير «الصندوق السياسي» في الاقتصاد المحلي الذي تأثر بانهيار أسعار النفط التي كانت في أواخر 2014 أعلى من 90 دولاراً للبرميل، بينما تحوم أسعاره الآن حول 35 دولاراً، هذا الانهيار يجعل اقتصاد الدول التي تصنف على أنها تعتمد على منتج واحد في مدخولها القومي يتأثر كثيراً بها، لذلك تراجع خططها وتبدأ في إيجاد بدائل تنوع مصادر الدخل، ولدى المملكة الكثير من الخيارات التي تريحها متى ما بدأت في تطبيق هذه الرؤيا، هذا بالتحديد ما رأى فيها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فرصة استراتيجية. كما أن فرعاً رئيساً في «التحول الوطني» يعتمد على مشاركة القطاع الخاص واستبيان آرائه وتعزيز نصيبه من الاستثمارات، وهو أمر يعتبره صانع «التحول» شديد الأهمية في ظل هبوط إيرادات النفط، إذ تريد من القطاع الخاص المشاركة الحقيقية في صناعة اقتصاد لا يعتمد على النفط، وأن يساهم في تطوير المرافق السياحية وبناء «مناطق حرة»، والاستثمار في قطاعات الإسكان والتعليم والصحة والخدمات والبنية التحتية. ومن شأن خطة التحول الوطني أن تسرّع من الوتيرة البطيئة لبرنامج الخصخصة، إذ تتضمن طرح شركات في 18 قطاعاً للخصخصة بهدف رفع تنافسيتها، وتشمل شركات في جميع القطاعات الحكومية تقريباً.