في زيارتي إلى البحرين بغاية الإطلالة على معرض البحرين للكتاب أدهشني هذا الموقع الذي اختير مكاناً للمعرض حيث يطل على البحر ويتفتح على الطبيعة والإنسان والحياة. افتتح المعرض بهدوء بالغ دون كلمات ودعوات خاصة وتكريمات عتيقة. هناك واجهة زجاجية بعرض الخيمة تطل على البحيرة المحيطة بالمسرح الوطني، التي تظهر الجانب الجمالي لهذا الموقع وتوفر فرصة للاطلاع على مشهد انعكاس أضواء المسرح الوطني على مياه البحيرة كما تسهم في توفير الإضاءة خلال النهار، من ثم العبور مشيًا من فوق بحيرة المسرح، حيث شيدت هيئة الثقافة جسراً يربط ما بين المسرح الوطني والساحة الخلفية للمتحف. حين دخلت المعرض رأيت أسراب الطالبات والطلبة من مراحل وأعمار متعددة ينتشرون في خلايا المعرض، ويفتشون الكتب كنحل يبحث عن زهر ومن خلفهم مشرفاتهم ومعلموهم يساعدونهم على اختيار وانتقاء الكتب. وهناك دور النشر للأطفال المستقلة بجناح الطفل وكذلك هناك فعاليات وورش خارج المعرض في جناح مستقل بحيث لا تسمع تلك الميكرفونات والأصوات المتداخلة واللغط وما سواه. وفي الجانب الموازي للمعرض هناك مقاهٍ فاخرة يجلس فيها الناس بهدوء يحتسون القهوة والمشروبات الأخرى المتنوعة.. وطاولات تتناثر أمام البحر المقابل للمعرض حيث يمكنك النظر إلى المعرض والبحر في آن واحد. هناك استرخاء داخل ردهات المعرض نتبادل في جنباته السلام على المؤلفين والكتّاب والمفكرين والأدباء الذين يتحدثون إلى الناس ويُوقّعون لهم كتبهم في أركان صغيرة مفتوحة على الناس والكون لا حرس عليها ولا أمن حيث لدى الجميع قناعة بأنه إذا لم يوفر الكتاب الأمن لمن يفكر في اقتنائه فلا مدعاة له أبداً.. المعارض لا بد وأن تكون باباً مفتوحاً على المعرفة والناس والحياة. هكذا تصبح للحكاية معنى وأغنية حين تكون الثقافة سلوكاً ومنهجاً وحياة. ليست الكتب كأية بضاعة يمكنني اختيارها في أي ظرف وحالة. الكتب هي المجتمع والغذاء والكلمات والهواء والنفس والشهيق والزفير والذات في أبهى تجلياتها. إن لم تكن معارض الكتب مناخاً صحياً تلتقي فيه الثقافة بروادها ومتلقيها فليس هناك ما يدعو لإحيائها، أما أن تحضر إلى المعرض لتتشاجر مع محتسب أو سواه فذاك هو الخطر الذي يهدد الفكر والبشر كذلك. الواقع أنني قاطعت معارضنا لسنوات مضت وما زلت على قطيعتي إياها لهذا السبب واكتفيت بزيارة معارض قليلة يتوافر فيها المناخ الثقافي الجيد للتعامل مع الكتب بأريحية وانتقائها بعناية. وبرغم تكدس الزوار فلم ألحظ في المعرض ذلك الاختناق المروري داخل المعرض أو خارجه، ولذلك الأمر علاقة بطريقة عرض الأجنحة وتنظيمها بشكل هندسي مدروس. ليت المعارض الأخرى تتقي شبهة البهرجة الزائدة حول أكثر الكتب مبيعاً أو كم عدد الزوار وما إلى ذلك وتنشغل عوضاً عن ذلك بالترويج للثقافة فحسب وليس لصراعاتها.. لنهتم بتثقيف العامة. لم أجد في أي مكان بقايا أطعمة أو أكياس مرمية، وليس هناك حشد من الحمّالين بعرباتهم الكبيرة التي تعوق حركة المارة.. كل يتولى خدمة نفسه بنفسه. غابت معظم دور نشر المغرب العربي المهمة مثل دار توبقال ودار أفريقيا الشرق وكعادتها لبنان زينت المعرض بحضورها وإرادتها الخلاّقة التي تتواصل مع الكتاب إلى جانب دور النشر الخليجية الأخرى والمصرية ودور النشر السورية والأردنية باعتبارها ضيف شرف المعرض. ومعرض البحرين مناسبة لاقتراح استغلال بعض المناطق التراثية البديعة في الرياض مثلاً لإحياء معرض الكتاب فيها مثل المتحف الوطني أو المناطق المحيطة بمدينة الدرعية بمبانيها الخلاّقة ليقام فيها المعرض.