مها عبدالله المخضّب تخرجت من جامعة الملك سعود كلية اللغات والترجمة تخصص اللغة الانجليزية. حصلت حديثاً على درجة الماجستير في تخصص الدراسات الشرق أوسطية والترجمة بجامعة فرايبورغ في ألمانيا وحالياً تم تكليفها لتكون محاضرة في نفس الجامعة. تتحدث كلاً من اللغة الفارسية والعبرية إلى جانب اتقان اللغتين الألمانية والانجليزية. * درستِ في قسم الدراسات الشرق أوسطية، ماهي توجهاته واهتمامه؟ في الحقيقة لا أبالغ إذا قلت أن الغربيين قد وصلوا في معرفتهم لنا أن عرفوا التفاصيل الدقيقة ليس فقط عن العرب والمسلمين بل يتعدى ذلك بقية شعوب دول الشرق الأوسط ليشمل ايران واسرائيل. يتعامل دارسوه مع الشرق ككيان ستاتيكي ثابت، وكظاهرة تثير اهتمامهم وشهيتهم، فاستمروا بدراسة واكتشاف كل ما يتعلق بالشرق، من لغات وثقافات ودين وتقاليد، وعائدات ومميزات فكرية ليشمل المجالات التاريخية والاجتماعية والسياسية والحضارية والثقافية. * حملت رسالة بحثكِ عنوان «التابو في الأدب النسائي السعودي» لماذا اخترتِ البحث في هذا الموضوع؟ وقع اختيار البحث حول هذا الموضوع لأن المصطلحات التي تتناول كتابة المرأة غائمة وغير محددة كما أنها قابلة للنقض، فمصطلح الكتابة النسائية متأثر بنسب متفاوتة بالفكر النسوي، فهو يرتبط بتسليط الضوء على واقع المرأة ومشكلاتها وتخبطاتها وحواراتها الداخلية واقصاء النزعة البطريكية. في حين ينقد الكثير من الروائيات السعوديات حصر نتاجهن في المعزل البيولوجي تحت مسمى (الادب النسائي) لأن الإبداع إبداع سواء أكان صادراً من رجل أم إمرأة، ومن جهة أخرى قبل بعضهن الإنضواء تحت مصطلح (الخطاب النسوي) إذ ينطلق بدوره من وعي مغاير له ميزاته وتوجهه الفكري الذي يعبر عن عمق وعي النساء بحقوقهن وعن حركة نضالهن لمقاومة قمع النظام الأبوي وقيوده المفروضة عليهن. وعليه فإن مفهوم الكتابة النسوية يعني الالتزام بقضايا المرأة سواء أكانت هذه الكتابة من إبداع امرأة أو من إبداع رجل. في الحقيقة نُشرت الكثير من البحوث والكتب التحليلية النقدية التي تناولت الرواية السعودية بمجملها، والرواية المكتوبة بقلم نسائي بشكل خاص التي غزت في غضون فترة قصيرة المشهد الثقافي بعد منتصف العقد الحالي وأثارت الجدل حول أحقيتها في تسليط الضوء الإعلامي الغربي عليها. ورغم اتساع هالة ظاهرة الكثافة اليوم إلا إنها شهدت طفرة شكلية على حساب المضمون السردي بسبب دعاية كشف المستور في أكثر المجتمعات التي تتسم بالخصوصية الاجتماعية. * لمن وُجِهت هذه الرسالة البحثية؟ وما أهميتها؟ ما زال يحمل الأدب العربي بشكل عام لدى المتلقي الغربي بطاقة مكتوب عليها «ألف ليلة وليلة»، التي تضفي صورة نمطية على الشرق. ففي سوق الكتب الألماني مثلاً مازال الأدب العربي يعيش حياة هامشية، فالمعروض هزيل بالمقارنة بما هو موجود، حيث يتسم بهيمنة الأعمال المصرية واللبنانية، في حين يكون الأدب السعودي شبه غائب. وعلاوة على ذلك تترجم أعمال قد لا تستحق، لكن دور النشر لأسباب معظمها تجارية تجذبها اساليب العنونة اللافتة التي تتناول فيها كسراً لتابو أو إثارةً لفضيحة. ويثار التساؤل عما إذا كانت هذه الأعمال الأدبية تشكل تصور معرفي وإثراء فكري في علاقتنا مع الأخر الغربي، خصوصاً بانطباعهم بأن الكُتّاب يُنظر إليهم باعتبارهم ممثلين سياسيين لبلادهم في المقام الأول، وبصورة أقل باعتبارهم أدباء. وما لاحظته في ألمانيا أن الأعمال السردية النسائية الخليجية تحظى باهتمام شديد، إذ تتناول الروايات المترجمة قضايا مهمة من خلال إبراز صوت المرأة الداخلي لمقاومة الصورة النمطية السلبية للأنثى وحرية الرأي وتأكيد دورها في مجتمعها والاحتفاء بإنجازاتها وعلاقتها مع الآخر وغيرها. إن المتلقي الألماني بصفته قاريء نهم ومتعطش لمعرفة المجتمع ذو الطبيعة الخصوصية يُقدم تجاه كل إصدار سعودي يصله بقدر ما يحفل هذا النوع الأدبي من بوح واقعي وتفاصيل مسكوت عنها للصراع الفكري، حتى تكاد تكون الرواية في نظرهم كتاب مكشوف يُعبر عن طريقة تفكيرهم وهويتهم وواقعهم، بعد أن كان الشعر كذلك ردحاً طويلاً من الزمن. ومن هذا المنطلق اخترت مع مشرفتي البروفيسورة أن يكون بحثي حول الرواية النسائية السعودية لتعريف القاريء الغربي بها، وإتاحة المجال لدراسة اتجاهات هذا الأدب وتقنياته السردية والجمالية وأساليبه من الواقعية الى الرمزية، التي تعكس التغيرات الثقافية والسياسية والاجتماعية المختلفة. * متى نشأ الأدب النسائي السعودي؟ نستطيع القول إن الرواية السعودية النسائية نشأت متأخرة تاريخياً عن نشأتها في عدد من البلدان العربية، ولكن شهد إنتاجها تزايداً غير مسبوق في أي قطر عربي آخر، ولعله يمكن أن يقال إن عدد الروايات السعودية النسائية التي صدرت منذ منتصف التسعينات إلى اليوم يكاد يوازي ما صدر خلال نصف قرن قبلها، من حيث الكمية ومستوى التأثير والتفاعل مع القارئ، فاصبحت محط اهتمام النقّاد وعناية الناشرين والمتابعة الإعلامية والتفاعل الجماهيري، فهي ذات سمات تكوينية تعكس طابع التسمية. إن الأديبة السعودية وجدت ضالتها إبداعياً في الجنس الروائي باعتباره الأكثر قدرةً على تجسيد المرأة كما هي دون أكليشيهات أو رتوش. فالرواية النسائية تشكل حالة ثقافية واجتماعية ليست بمعزل عن التجاذبات السياسية التي تشهدها المنطقة، فهي تستجيب بالدرجة الأولى للتحولات الاجتماعية والثقافية التي طالت جميع أوجه الحياة. * ماهي التغيرات التي صاحبت التطور والتغير في الأدب النسائي؟ إن التطور اللافت للانتباه، هو نزعة التمرد التي صاحبت الكاتبات منذ التسعينات، مستعينين بكثير من العوامل، يأتي على رأسها حرب الخليج وما نتج عنه من غليان في الوعي الاجتماعي، والتغير في بنية المجتمع نتيجة للطفرة الاقتصادية، التي لم يواكبها تغير ثقافي بارز، لهذا حدث مايسمى بالهوة بين مستوى الدخل وبين أداء وثقافة الفرد، أدى إلى وجود العديد من المشكلات، منها فقدان الثقافة المحافظة قدراً من قبضتها بعد اجتياح القنوات الفضائية واكتساح غير مسبوق للعوالم الافتراضية، التي ساعدت في اتساع رقعة المشاركة في التعبير عما يعتقده الآخر في ثقافته، فأصبح الفرد متحرراً من هيمنة البعد الواحد. كانت هذه أهم العوامل التي شكلت أرضية خصبة لظهور الرواية وبلورتها بشكلها الحالي مع وإيقاع متسارع من حيث تزايد الكم، وتناول المواضيع غير المؤلوفة. بالإمكان القول إن الرواية النسائية السعودية قد نضجت بعد أحداث أيلول 2001، لتعمل على تسريع عملية التغير وإماطته اللثام عن كثير من التابوهات في مجتمع غامض بالنسبة للعالم، وربما بالنسبة لأفراده أيضا. * هل يختلف الفكر الغربي النسوي ومطالبه، عن الفكر العربي النسوي؟ الكاتبات في الغرب واجهن ما تواجهه المرأة العربية اليوم ولكنهن أثبتن مواقفهن في هذا الصراع التصنيفي، وانبثقت الحركات النسوية ما بعد الحداثة في القرن العشرين محتجة ورافضة، فأظهرت المرأة في المركز مناضلة مناهضة مبدعة، تعتني بذاتها، وترفض التبعيّة وتخترق الثالوث المُحرّم. فالأدب الغربى قد حسم هذه القضية تماماً، أما أدبنا العربى فمازال يخشى البوح والخوض. بينما يدرك الكثير من المفكرين الغربيين اليوم أهمية الطروحات النسوية التي لا تدعو للتطرف، بل تحرص على إحلال التوازن في المواقع لكل من المرأة والرجل، يرى عالم الاجتماع الفرنسي بورديو، بأن المجتمع المعاصر يرتكب خطأً جسيماً عندما يعلي من شأن القيم الذكورية، والنشاطات العدوانية وقيم المنافسة، وعندما يُنظم حياته بطريقة أحادية الجانب على أساس القيم الذكورية المفرطة التي تتحول إلى نوع من الامبريالية والعرقية الذكورية والعدمية.