اليوم تكملة مقالين سابقين عن كتاب «الطريق إلى أبر»، وأُبَر اسم آخر لإِرَم ذات العماد مدينة عاد المفقودة، وهو كتاب المستكشف الأمريكي نيكولاس كلاب الذي عزم البحث عن أطلال عاد، وذهب مع فريق من العلماء إلى ظفار في عمان عند الربع الخالي، دخلوا وادي الذكر الذي سمّي بهذا لأنه يحوي مقابر كثيرة لمسلمين ولأناس سبقوا ظهور الإسلام، ورأوا نقوشاً على الكهوف ظنوا أنها لقوم عاد، ورأوا صخوراً توقعوا أن قوم عاد عبدوها لما توقّفوا هناك وهم متجهون لمدينتهم إِرَم. نكمل اليوم رحلة نيكولاس، فيقول إن ما سبق كان توقعات ولم يجدوا أي دليل قوي على وجود عاد هناك، وأكملوا طريقهم حتى وصلوا للربع الخالي وتوقفوا. معهم عالم آثار، أشار لشيء على الأرض، نظروا وقالوا «صخرة؟»، التقطها وإذا بها كسرة من إناء خزفي، برتقالية اللون ومهترئة، قال عالم الآثار إنها ربما تعود إلى 1500 قبل الميلاد، وهذه أول قطعة أثرية تكتشف في الربع الخالي. مشوا وصعدوا مكاناً مرتفعاً تسلّقوه بالأقدام ورأوا منظراً رائعاً: هذه القمة الصغيرة أعطتهم منظراً للطريق إلى إرم. الطريق مثل شارع فيه 10 مسارات. هذا هو المكان الذي مرت عبره القوافل في الماضي تحمل البخور ثم تتجه شمالاً لتنثرها في أسواق العالم القديم مجتازة مكانهم هذا. اكتشفوا أن قريباً منهم قاع بحيرة جافة. مشى عليها أحدهم والتقط حفنة لتأريخها، وظهر أن البحيرة جفت قرابة 7 إلى 8 آلاف سنة قبل الميلاد. تركهم عالم الآثار وعاد بعدها بساعة وفي جيبه صخور تقرقع. اكتشف على بعد 60 متراً مخيّماً سكنه أناس من العصر الحجري أي من 5000 قبل الميلاد، فما بعد وجدوا أدوات ومعدات من العصر الحجري، الكثير منها، أكثر من 10 آلاف. وجدوا فؤوساً وكاشطات جلد الحيوان ومطارق ورؤوس أسهم. تساءل الكاتب: العصر الحجري؟ أليس هذا... أكمل الآخر: نعم، هذا أقدم مما أتينا لنبحث عنه. سنة 5000 قبل الميلاد تسبق زمن عاد المتوقع. ظهر القمر. أكلوا البرقوق المجفف والبسكويت وناقشوا ما وجدوه هذا اليوم، ووضع عالم الآثار تصويراً زمنياً للوادي: قرابة 7 آلاف سنة في الماضي كان أهل العصر الحجري ممن عاشوا على الصيد يعسكرون في مرتفع يطل على بحيرة كانت هنا، ونظراً للعدد الكبير من الآثار هناك، يبدو أنه كان المكان المفضل للوقوف، عسكر فيه الناس مئات ربما آلاف السنين، لكن لما توقف المطر الموسمي جفت البحيرة وانتقل الناس للجنوب، المنطقة كانت سهلية معشوشبة وصارت صحراء. حرك الهواء رمال البحيرات والأنهار الجافة وهذا شكل الكثبان، كثبان الرمل كانت صغيرة ثم صارت هائلة. قبل 1500 قبل الميلاد – وهو تاريخ تقريبي لتلك القطع البرتقالية – أتى ناس أكثر تطوراً تقنياً، وهم قوم عاد. مشوا خلال هذا المكان لكن لم يطيلوا الوقوف. كان هذا الوادي محطة استراحة على طريق البخور. تساءل أحدهم: ماذا عن إرم؟ قال عالم: «المسألة كلها تعتمد على الماء. لا ماء .. لا مدينة. لا يوجد ماء هنا الآن، وأعتقد أنه لم يكن هناك ماء قبل 3 أو 4 آلاف سنة». عندما جفت بحيرات مثل هذه انتهى الأمر. إذاً هل من العملي وجود مدينة هنا في الربع الخالي؟ رمال متقلبة متحركة وعواصف عنيفة! ماذا ستفعل أي مدينة هنا؟ هل وضع قوم عاد مدينتهم هنا؟ نكمل بقية الرحلة في الأسبوع القادم.