جميعنا يعرف الربع الخالي وكم فيه من رمال وكثبان.. ولكن ما لا يعرفه معظمنا أنه حتى عهد قريب كان من أكثر المناطق اخضراراً في العالم فقد كانت الرياح المدارية تحمل من المحيط الهادئ سحباً كثيفة ترمي المطر في جنوب الجزيرة العربية - فوق الربع الخالي - ولا تتجاوزه إلى الشمال أبداً. هذه الأمطار خلقت أنهاراً وبحيرات ماء عذبة في ذات المكان الذي تغطيه الرمال حالياً.. ثم بسبب تبدل طفيف في محور الأرض حدث تغير مفاجئ في المناخ فانقطعت الأمطار وجفت الأنهار وانجرفت التربة وتحولت الغابات لرمال.. وحقول النفط المكتشفة حديثاً في الربع الخالي دليل على اخضراره في الماضي، فالنفط كما هو معروف بقايا عضوية لمخلوقات عاشت في بيئة مزدهرة قبل أن تتحلل إلى النفط الخام، وهذا يعني أن الربع الخالي كان في العصور الأكثر قدماً - ليس مخضراً فحسب - بل أشبه ما يكون ب «غابات استوائية» من حيث الكثافة وتنوع المخلوقات!! ٭ الأمر الآخر أن بعثات التنقيب بدأت - في الأعوام القليلة الماضية - تكشف عن آثار لشعوب وحضارات ازدهرت في تلك المنطقة، فهناك مثلاً مدينة كاملة تتميز بمبانيها الشاهقة يعتقد أنها مدينة إرم التي قال عنها تعالى: {إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد}.. وهي المدينة التي سكنها قوم عاد الذين تميزوا بالطول وكمال الجسم حتى قيل ان قاماتهم تجاوزت الخمسة عشر متراً {وزادكم في الخلق بسطة}. وما يظهر لي أن قوم عاد كانوا آخر شعب شهد تبدل المناخ القاسي للربع الخالي، فقد امتد ملكهم من عالج باليمن إلى منطقة صحار في عمان. وعاشوا في جنات وأنهار حتى عصوا نبيهم هود فانقطع عنهم المطر ثلاث سنوات متتالية. وحين أوشكوا على الهلاك اتتهم سحابة سوداء ضخمة من المحيط الهندي ففرحوا بها لخبرتهم بأنها تحمل المطر وكانوا يسمونها المغيثة. غير أن هذه السحابة كانت هي العذاب الموعود {فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما}.. وجاء عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه، فسألته، فقال: (لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم).. ٭ والريح الصرصر في لغة العرب هي الريح الحلزونية التي تعصف بالممتلكات - وهو ما ينطبق تماماً على الأعاصير المدارية المعروفة في أنحاء كثيرة من العالم.. وهذه الأعاصير تتفاوت في شدتها ومسماها بين منطقة وأخرى، فقد تسمى بالنينو أو هرقل أو الترنيدو في حين كانت العرب تسميها ريح الحسومات. والأعاصير المدارية لا تتشكل إلا فوق المحيطات حول خط عرض 15 ثم تتحرك نحو الشواطئ مهلكة كل ما يعترض طريقها، وقد تضرب بعض المناطق بشكل سنوي معلوم، وقد تغيب لقرون وتدمر مناطق ومدناً لم تعرفها من قبل.. وهي في جميع الأحوال عنيفة وسريعة وقادرة على حمل الإنسان والممتلكات إلى ارتفاعات شاهقة وإسقاطها في اماكن بعيدة.. وإذا علمنا أن ديار عاد غير بعيدة عن مصدر هذه الأعاصير - حيث تقع على خط عرض 20 تقريباً - سندرك مدى الخراب الذي يسببه «تسونامي» يستمر لثمانية أيام.