عودتنا أجهزتنا الأمنية أن قضايا الإرهاب لا تُسجل ضد مجهول ويغلق ملفها وتنتهي القضية إلى الأراشيف الأمنية؛ فالدواعش السنة، الذين اشتركوا في الفتك بابن عمهم شهيد الواجب، المرحوم «بدر الرشيدي» في القصيم سينتهون قطعا إلى حالة من حالتين، إما القتل، وإما الاعتقال. غير أن مشكلتنا ليست في كشف ملابسات القضية والقبض على منفذيها، وإنما في الفكر الذي حل بنا، واستولى على ذهنيات بعض مؤدلجينا، وجعلهم يصلون إلى اغتيال أقرب أقاربهم وهم يُكبرون؛ فلم يعرف تاريخ الإسلام، حتى في أحط فتراته وأحلكها سواداً، وأكثرها دموية، أن أصبح قتل الأقارب غيلة، وفي دار السلم وليس الحرب، قربة يتقرب بها المسلمون إلى الله جل وعلا، وأتحدى من يأت لي بفرقة من فرق الإسلام المبتدعة مع كثرتها، شاع بين أتباعها بدعة قتل الأقارب (فتكا واغتيالا)، كما يفعل الدواعش، حتى فرقة (الحشاشين) المندثرة لم يعرف عن أتباعها أنهم كانوا يقتلون أقاربهم. أعرف أن بعض الفقهاء ومفسري نصوصه قد تساهل مع التكفير، وقال بجواز قتل الأقارب في حالة توافرت أسباب الكفر، كأن يعتنق مذهبا على خلاف مذهبه، أو اقترف أمراً يسوّغ التكفير، وبالتالي القتل، إلا أن هذه الآراء المتشددة، انحصرت في أقوال طلبة علم معدودين، فلما جاءت الحركات السياسية المتأسلمة، التي ظهرت من تحت عباءة (جماعة الإخوان المتأسلمين) المصرية، وبالذات فرقة (السلفيين المتأخونين)، والمسماة في بلادنا (فرقة السروريين)، نبّشت عن هذه الآراء، القديم منها والمعاصر، وانتقت منها، ما يُثور تعاليم الإسلام، بحيث تتحول نصوصه إلى نصوص تحث المسلمين (على الثورة)، وأن الاغتيال والفتك ضرب من ضروب الجهاد المشروع، الذي هو (ذروة سنام الإسلام)، كما يرددون بمناسبة أو من دون مناسبة، وبالذات من فوق منابر الجُمع، في لحظات يكون فيها المسلم في غاية الاستعداد نفسيا لقبول ما يقوله الخطيب؛ ولأن أغلب من يرتقون المنابر هم ممن تأثروا، سواء علموا أم لم يعلموا، بهذا الفكر الثوري (السروري)، يرددون عباراته، ويستشهدون بأدلته، التي يقدمونها على أنها قطعية الدلالة وقطعية الثبوت، وتحظى بإجماع الفقهاء، مع أنها في الغالب محل خلاف معتبر، غير أن (ميكافيليتهم)، وانتهازيتهم جعلتهم يفتقدون الأمانة، فيخفون الخلاف ويضعون بعض الأقوال حين الاستدلال بها وكأنها مسألة إجماع، فيوغرون صدور المصلين، خاصة صغار السن منهم، أو أولئك (الدراويش) العوام، الذين لا يهمهم من (الخطيب) إلا التزامه بالشكليات والمظاهر، ليتبعوه، كما تتبع الخراف من يقودها إلى المذبح؛ من هنا ظهر أولاً (القاعديون)، ومن رحم القاعدة، ظهرت (داعش والداعشيون)، وجاء ظهورها في زمن وفرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت وسيلة مناسبة جعلت الدواعش يخترقون حدودنا، ويتسربون كالجرذان إلى داخل بيوتنا، فوجدوا أن (السروريين) قد جهزوا الأذهان، وكرسوا البغضاء والكراهية، وبرمجوا لهم العقول، ليجدوها مبرمجة، ومستعدة عقليا ونفسيا لأن تنفذ ما يطلبون تنفيذه دون تردد أو مجرد تفكير، وهؤلاء المجرمون في الغالب يعانون من أمراض نفسية متمكنة منهم، وشعور بالقلق يستحوذ على أمزجتهم، ونزعة للعنف تكتنف طباعهم، وربما تربية وتنشئة فاشلة من قبل البيت والأبوين؛ فكانت داعش وكانت الاغتيالات؛ رغم أن الترصد والفتك اغتيالا، يكيفه الفقهاء السلفيون، غير المتأخونين، على أنه والإيمان نقيضان، لقوله صلالله عليه وسلم (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن), فكيف أصبح الفتك والاغتيالات عند السروريين (جهادا)؟ كما أن من فقهائنا المعاصرين من يتساهلون في التكفير، ولا يأخذون في الاعتبار حين يُستفتون أن هناك من (يستغلون) مقولاتهم، لتحريض الناس على قتل المخالف، مع أن الشيخ لم يقصد بها حين قالها، أن توظف بما يهز استقرار وأمن المجتمعات، والجرأة على قتل من يختلف معه في الرأي أو المذهب؛ إلا أن أرباب الإسلام السياسي، إذا وجدوها تخدم أهدافهم، جمعوها، وابتسروها من سياقها، وجعلوها في سياق يحث على التكفير وتنفيذ العقوبات المقررة شرعا. وختاما أقول؛ وسبق أن قلتها مرارا وتكرارا، وقالها غيري من الإعلاميين الوطنيين، إننا إذا لم (نواجه) هؤلاء الأوباش السروريين بشجاعة وحزم، ونلاحقهم، ونسد الطرق أمامهم، ونجتث محاضنهم أينما كانت، فسيبقى الدواعش يفاجئوننا، مثلما أخذتنا القاعدة أولا، وداعش ثانيا، على حين غرة. إلى اللقاء.