الانفتاح الكبير بين الثقافات والحضارات في زمننا الحاضر يتيح لكل مجتمعات العالم أن «تغرف» من تجارب الأمم الناجحة وأن تتعلم منها وتقتبس المفيد وتتجنب الأخطاء. هناك نماذج ناجحة في التنمية يمكن استلهامها، وأخرى فاشلة يجب تجنب الوقوع فيها. ولو أخذنا، على سبيل المثال، تجربة التنمية التي خاضتها الأمة الكورية في العقود الأخيرة لوجدنا فيها من الدروس والعبر ما يمكن الوقوف أمامه طويلاً والتعلم منه. فالشعب الكوري قسَّمته الحروب والخلافات العقائدية والسياسية بين دولتين هما كوريا الجنوبيةوكوريا الشمالية بتجربتين تنمويتين مختلفتين تماماً. لكننا نرى أن الشعب الكوري في الدولة الشمالية يعاني من الفقر والمجاعات ومن الديكتاتورية المتسلطة التي أهدرت موارد البلاد في التسلح وخلقت ترسانة عسكرية نووية لا تسمن ولا تغني من جوع بل جلبت للشعب الكوري العزلة عن العالم ومشاعر الريبة والشك وحتى العداوة والخصومة. أما في دولة كوريا الجنوبية فإن الشعب الكوري صنع قصة نجاح عظيمة وأصبح في مقدمة شعوب العالم في مستوى التحصيل العلمي وما يحصل عليه من خدمات صحية واجتماعية، وأصبحت كوريا الجنوبية واحدة من أهم الدول الصناعية المتقدمة التي غزت منتجاتها كل بلدان العالم بما في ذلك الأسواق الأمريكية والأوروبية وهي منتجات تجاوزت المفهوم التقليدي لصادرات البلدان النامية التي غالباً ما تكون مواد أولية خام ومنتجات بسيطة تقليدية كالمنسوجات. لاشك أن الشعب الكوري الذي يتميز بالحيوية وحب العمل يتشارك نفس القيم سواء كان في كوريا الشمالية أو في كوريا الجنوبية، لكن الفارق يكمن في اختلاف نموذج التنمية الذي سار عليه كلٌ من النظامين في كوريا الشماليةوكوريا الجنوبية. نموذج التنمية في كوريا الجنوبية يستحق التأمل، وجدير بأن يُستنسخ من قبل البلدان التي لازالت تراوح في مكانها وعاجزة عن تحقيق آمال شعوبها في التقدم وتحقيق الرخاء. وقد أصبح هذا النموذج واحداً من أبرز النماذج التي تتناولها أدبيات التنمية الاقتصادية التي تُدَرَّس في جامعات العالم وتُناقش في الندوات والمؤتمرات. يقول سفير كوريا الجنوبية في المملكة في حديث لصحيفة الشرق الأوسط إن «الرياض وبلاده تعملان على الدفع بمستوى التعاون الاستراتيجي بين البلدين نحو آفاق أرحب في مجالات تكنولوجيا التصنيع والطاقة النووية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها». أجل، لنتعلم من التجربة الكورية ومن كل التجارب الناجحة، فليس من الحكمة تكرير الأخطاء وإعادة اختراع العجلة كما يُقال.