وضع الشيعة الاثنى عشرية أنفسهم في مأزق سياسي وقيادي عندما قصروا الإمامة على (12) إماماً لا تجوز لغيرهم الولاية المطلقة التي تشمل الحكم السياسي والجهاد والأمر بالمعروف وإقامة صلاة الجمعة، لذا فعند غياب الإمام محمد المهدي (الغيبة الكبرى) فقد الشيعة الاثنى عشرية الانتماء السياسي لأي كيان يستظلونه وتجنبوا المشاركة في الحكم والجيش، ومع ذلك وخلال ضعف الدول العباسية وقيام دويلات السلاطين، كان من بين تلك الدويلات عدة دول وسمت بأنها دول شيعية معظمها كان يتبع الإسماعيلية أو الزيدية ولكن من تلك (4) دول كانت على المذهب الاثنى عشرية كلها قامت في الأقاليم الفارسية قبل أن تتحول إيران لجمهورية، أول هذه الدول هي دولة (البوهيين)، التي أحجم فقهاء الشيعة عن الاعتراف بشرعيتها وواجب الولاء لها لكونها مغتصبة الولاية المطلقة، ثم تلا ذلك الدولة الصفوية، التي أيضاً كان لها نفوذ كبير وربما هي أكبر تلك الدولة مساحة جغرافية، ثم تلاها الدولة القجارية التي حاول سلاطينها التقرب للفقهاء وتقديرهم وخصهم بالعطايا والهبات، ثم تلا تلك الدولة المملكة الشاهنشاهية البهلوية التي اعتمدت الدستور الوضعي وتخلت عن المعتقد الشيعي الاثنى عشرية في الولاية. خلال حكم الدولة القاجارية وهم سلالة مغولية تحولت للإسلام واعتقدت بالمذهب الشيعي الاثنى عشرية، حاول سلاطين هذه الدولة التوفيق بين الحكم السياسي والمعتقد الديني، لذا قربوا الفقهاء الشيعة وأنزلوهم منازل التقدير والاحترام وذلك في سبيل الحصول على تفويض شرعي يجيز لهم (الجهاد) وتجنيد الشيعة في جيوشهم، وما كان ذلك إلا بهدف غزو الأقاليم العربية التي كانت تخضع للولاية العثمانية بحجة دينية والوصول للمدينة المنورة ومكة المكرمة، وكان أنشط السلاطين القجاريين في هذا الخصوص هو السلطان (فتح علي شاه) المتوفى سنة (1250ه) الذي استوفد الشيخ (أحمد بن زين الدين الأحسائي) المتوفى سنة (1241ه) بعد أن ذاع صيته ولقب ب(الشيخ الأوحد)، فألقى إليه ببعض المسائل ومنها ما هو متعلق بالولاية المطلقة فكتب له الشيخ عدة رسائل بهذا الخصوص، ولكنه لم يجز له الولاية المطلقة، فوجد السلطان ضالته في الشيخ الملا (أحمد النراقي الكاشاني) المتوفى سنة (1245ه) حيث وضع كتاب (عوائد الأيام) وضمنه تصوراً جديداً للولاية تبلور حول رواية ل(عمر بن حنظلة) حيث روى في حديث طويل أن الإمام الصادق قال: «ينظران من كان منكم ممن روى حديثنا, ونظر في حلالنا وحرامنا, وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإن حكم بحكمنا ولم يقبل منه فإنما استخف». وتفسير للآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً} حيث جعل ولاية الأئمة المطلقة جائزة للولي الفقيه المتمسك بأحكام وروايات الأئمة الاثنى عشر، وحيث كان السلطان (فتح علي شاه) عالماً عابداً فقد وجد في نفسه ذلك الولي الفقيه، لذا جند الجند وحارب الروس والأفغان والعثمانيين وعاهد البريطانيين وبنى علاقات متميزة مع الفرنسيين، وكل ذلك في سبيل الطموح لتوسيع دولته ولكن طموحاته تكسرت على صخرة الصلابة العثمانية فوقع معهم معاهد (أرضروم) عام (1238ه). ولاية الفقيه كان مخرجاً من قيد التزم به الشيعة الاثنى عشرية وجعلهم مستضعفين لعدة قرون وأقصاهم عن الحياة السياسية والعمل الحكومي, وبعد الانقلاب الذي أطاح بآخر سلاطين الدولة القجارية وقيام الدولة البهلوية التي اعتمدت دستوراً مدنياً للحكم وأقصت رجال الدين بصورة عامة عن العمل السياسي، نشط بعض الفقهاء المؤمنين بولاية الفقيه في معارضة الملك محمد رضا بهلوي وكان على رأسهم (روح الله بن مصطفى الموسوي الخميني)، الذي قاد معارضة ونضالاً سياسياً أطاح بحكومة الشاه وأسس الجمهورية الإسلامية ونصب نفسه (الولي الفقيه) بعد أن اعتمد على نظرية (النراقي) وفصلها كآلية حكم إسلامي في كتاب (الحكومة الإسلامية), ومع أن كثيراً من فقهاء الشيعة رحب بقيام حكومة دينية في إيران إلا أن كثيراً منهم يخالف نظرية ولاية الفقيه بل ويعارضها بشدة كونها تضع شخصاً لا يتمتع بالعصمة في موقع المعصوم فيصبح مظنة للفساد والظلم.