أكدت ل«الجزيرة» مصادر عاملة في قطاع الأسمنت، أن السوق يشهد حرب أسعار من خلال توزيع بعض الشركات منتجاتها خارج مناطقها، رغبة في تصريف ما لديها أو البحث عن عملاء جدد، إذ إن تكدس المستودعات بالمخزون جعلها تبحث عن منافذ جديدة وبأسعار منخفضة. وقالت المصادر إن بعض الشركات تتطلع للسيطرة على الأسواق خارج مناطقها من خلال البيع بخصومات تتراوح بين العشرة والخمسة عشر ريالا للطن الواحد بخلاف ما يتم بيعه في المنطقة التي تعمل فيها الشركة. وأشارت المصادر إلى أن ملامح هذه الحرب السعرية بدأت منذ أن قامت بعض المصانع بإيصال منتجاتها إلى مناطق أخرى، متوقعة استمرارها وتوسعها في ظل وجود نحو 20 مصنعا تعمل في السوق. ودعت المصادر وزارة التجارة إلى وقف حرب الأسعار بين الشركات حيث إن الكثير من الشركات العاملة في السوق دخلت بعض الأسواق وخفضت الأسعار والغرض منه هو ضرب الشركة التي تعمل في تلك المنطقة مما زاد من دخول الشركات فيما بينهم، مشيرا إلى أن نقل الأسمنت من منطقة إلى أخرى يؤثر على كيان تلك الشركات وعلى البنى التحتية من خلال تنقل الشاحنات بين المناطق. ووفقا للمصادر فإن هذه الخطوة من بعض شركات الأسمنت، تهدف في الأساس إلى تصريف جزء من المخزون المتوافر لديها رغبة في البيع بأعلى سعر مقارنة بالأسعار المتوقعة مستقبلا، مما أجبر عددا من الشركات العاملة في السوق إلى انتهاج الخطوة ذاتها للمحافظة حجم مبيعاتها وحصتها في السوق، مبينة أن مخزون الأسمنت لدى الشركات العاملة في السوق المقدر بنحو 500 ألف طن، ارتفع ليصل إلى مستويات 22.5 مليون طن بقيمة تتجاوز 5.30 مليار ريال، في حين لجأت العديد من المصنعين إلى خفض إنتاجهم رغبة في معرفة توجهات السوق خلال الفترة المقبلة ولسد الفجوة بين العرض والطلب. وتقول مصادر عاملة في تجارة الأسمنت، إن الشركات المنتجة اضطرت تحت ضغط السوق إلى إعادة النظر بمستويات الأسعار التي تعتمدها، طبقاً لحركة الطلب والعرض في كل منطقة خلال الفترة الحالية. ومع أن صغار المستهلكين لم يستفيدوا بصورة واضحة من ميل الأسعار نحو الهبوط بسبب قلة الطلب خلال الفترة الحالية، إلا أن المعلومات، تشير إلى أن الشركات باشرت منذ فترة تقديم أسعار خاصة لكبار الموزعين والمستهلكين ذات الكميات الكبيرة، عن طريق ربط تخفيض السعر بحجم الكمية التي يتم التعاقد عليها. ورغم ظهور بوادر حرب الأسعار.. إلا أن جهاد عبدالعزيز الرشيد رئيس اللجنة الوطنية لشركات الأسمنت في مجلس الغرف السعودي، كشف ل»الجزيرة» أن سوق الأسمنت مفتوح للتنافس بين الشركات العاملة في السوق من خلال تقديم أسعار تنافسية، مضيفا أن بحث الشركات العاملة في السوق إلى عملاء جدد والبحث عن أسواق جديدة أوجد نوعا من المنافسة سوى من حيث الكميات أو الأسعار. وذكر رئيس اللجنة الوطنية لشركات الأسمنت في مجلس الغرف السعودي، أن تقديم خصومات أو خفض الأسعار في خلال الفترة الحالية من قبل بعض الشركات، احتمال وارد في ظل وجود مخزون يفوق 21 مليون طن لدى شركات الأسمنت في الوقت الحالي، مبينا أن الشركات التي تقدم خصومات لعملائها أو تخفيض في السعر يعود إلى الرغبة في بيع الكميات المتوافرة لديها رغبة في معرفة توجهات السوق خلال الفترة المقبلة. وأشار الرشيد أن المتابع للسوق خلال الفترة الحالية يرى أن هناك هدوءا رغم وجود مشروعات تكفي إنتاج مصانع الأسمنت لمدة ثلاث سنوات من الآن حيث إن هناك توقعت بارتفاع مبيعات الشركات خلال العام الحالي ما بين 4 و5 في المائة. وأضاف الرشيد أن التخلص من المخزون لا بد أن يكون عبر فتح أسواق خارجية وإن كانت خليجية، مؤكدا أن هذه الأسواق هي وحدها التي يمكن أن توجد قنوات تسويقية جديدة أمام الشركات، أو أن تقوم الدولة بطرح مشروعات عمرانية جديدة تستوعب إنتاج ومخزون شركات الأسمنت. بدوره أكد المهندس سعود بن سعد العريفي العضو المنتدب لشركة مصنع أسمنت الشمال، أن المتابع لسوق الأسمنت يعرف أن ما يحصل في السوق هو حالة هلع من قبل مسئولين الشركات بسبب الخوف من زيادة مدة الركود التي تمر بها المنطقة مما يعني توقف المشروعات وزيادة الشركات العاملة في السوق ووجود فائض في مادة الكلينكر، فضلا عن فائض سنوي من الإنتاج ما بين 6 إلى 8 ملايين طن، مشيرا إلى أن الاستهلاك السنوي يصل إلى 60 مليون طن. وذكر المهندس العريفي أن الطلب سوف يقل عن 5 إلى 7 في المائة عن العام الماضي إلا إذا تحسنت أسعار البترول وبدأت مشروعات وزارة الإسكان التي أعلنت -مؤخرا- عن سعيها إلى بناء أكثر من 1.5 مليون وحدة سكنية على مدى سبع سنوات. وأشار العضو المنتدب لشركة مصنع أسمنت الشمال إلى أن الإنتاج الحالي لمصانع الأسمنت أكثر من الطلب المحلي بكثير، معللا ذلك بوجود مشروعات لمدة ثلاث سنوات المقبلة تم توقيعها خلال الفترة الماضية حيث إن استمرارها سيعيد النشاط إلى مصانع الأسمنت، بعوامل كثيرة أبرزها تسويف وزارة الإسكان في مشروعاتها التي تعلن من فترة إلى أخرى ولم تطبق على أرض الواقع، إضافة إلى قلة العمالة في مواد الإنشاء، وتعثر المشروعات الحكومية، وغيرها من المشروعات. وقال فضل البوعينين يبدو أن صناعة الأسمنت بدأت مرحلة حرجة قد تؤثر سلبا عليها في حال استمرار الوضع الحالي في السوق، مبيننا أن ضبط الإنفاق الحكومي وتقليص المشروعات إضافة إلى ما يمر به قطاع الإسكان من الركود واضح أثر سلبا على الاستثمار والتوسع فيه. وأوضح البوعينين أن الركود الحالي سيقود مع مرور الوقت إلى تراكم فائض الإنتاج في السوق وسينعكس سلبا على الأسعار وربحية الشركات، وسيقود إلى تنافس بين الشركات لتسويق إنتاجها بطرق مختلفة لا تتوافق مع الآليات المتفق عليها، إضافة إلى ذلك قد تنشط عمليات التسويق من خلال الوسطاء وقد تستغل الأسعار لتحفيز عمليات البيع بما يخلق حرب أسعار للمحافظة على الحصة السوقية. وذكر البوعينين أن شركات الأسمنت في حاجة إلى مراجعة عملياتها التشغيلية وحجم إنتاجها إذا ما إرادات أن تحفظ توازنها في السوق. واختتم البوعينين أنه يفترض أن يكون هناك مراجعة للتشريعات الخاصة بالتصدير وبما يسهم في فتح أسواق خارجية لشركات الأسمنت لتصريف الكميات الفائضة التي لا يمكن تسويقها محليا. هذا وقد توعدت وزارة البترول والثروة المعدنية ممثلة في شركة «أرامكو»، شركات الأسمنت بعدم زيادة كمياتها من الأسمنت والكلنكر، من خلال فتح خطوط إنتاج لم توافق عليها الوزارة. إضافة إلى وجود دلالات بتعاملها مع السوق السوداء لتوفير الوقود، هذا وقد قامت شركة أرامكو بإرسال خطابات لكل شركات الأسمنت العاملة في السوق حيث حذرتها من وقف حصتها كاملة من الوقود في حالة اكتشاف أي شركة تتعامل داخل السوق السوداء. وأشارت تقارير صدرت حديثا إلى أن استمرار حرب الأسعار سوف يؤثر على التوزيعات السنوية لشركات الأسمنت العاملة في السوق، إلا أن نسب التوزيعات مقارنة بالأسعار الحالية لا تزال جاذبة. وبينت شركة الاستثمار كابيتال أن الارتفاع الكبير في مخزونات الكلنكر أدى إلى تخمة في المعروض وبالتالي تآكلت الهوامش الربحية، في سبيل سعي شركات القطاع في الحصول على حصة سوقية أكبر من خلال تخفيض أسعار البيع. ووفقا للبيانات المتوافرة من قبل شركات الأسمنت فقد انخفض متوسط سعر البيع لطن الإسمنت بنسب متفاوتة وذلك باختلاف السوق والطاقة الإنتاجية مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق لشركات القطاع. وترى الاستثمار كابيتال أن انخفاض أرباح شركات الأسمنت بنسبة 6 في المائة في الربع الثالث قياساً بالفترة المماثلة من العام الماضي لا يعود إلى انخفاض الطلب، حيث زادت مبيعات الأطنان بنسبة في المائة لنفس الفترة ولكنها نتيجة ارتفاع مخزون الكلنكر الذي أجبر الشركات على زيادة المعروض على حساب الأسعار، والانخفاض في المبيعات سيجبر الشركات على التوقف في شراء الكلنكر من خارج مصانعها. وتقول الاستثمار كابيتال: لا نعتقد بأن معدلات النمو في الطلب المحلي خلال الفترة المقبلة لن تمتص كميات الكلنكر المتراكمة ما لم يسمح بالتصدير أو البدء فعليا بمشروعات الإسكان. وقالت شركة «الأهلي كابيتال»، أن تطلعاتها لقطاع الأسمنت السعودي حذرة، حيث تتوقع انخفاض المبيعات بنحو 5 في المائة فى العام 2016 على أساس سنوي كأول انخفاض لمبيعات قطاع الأسمنت. وأوضحت أن هذه التطلعات تأتي نظراً لتوقعات خفض النفقات بالميزانية بسبب انخفاض أسعار النفط، وتباطؤ نشاط القطاع الخاص. وأضافت أنه مع استمرار ارتفاع مستويات المخزون لأعلى مستوى رغم خفض الإنتاج، فإنها تعتقد أن هذا يعكس الضعف العام في القطاع، متوقعة أن تقدم الشركات التي تحت تغطيتها خصومات تصل إلى 8 في المائة في عام 2015 و7 في المائة في عام 2016 وأن تحذو باقي الشركة نفس المنحى. كما توقعت «الأهلي كابيتال» أن تتأثر توزيعات الشركات نتيجة لانخفاض الإرباح، وأن تقوم جميع الشركات التي تحت تغطيتها باستثناء أسمنت الشرقية بالاستمرار في خفض التوزيعات حتى 2016.